الرئيسية » الاخبار »   17 نيسان 2013  طباعة الصفحة

عن فرض الرسوم الجمركية على المستورد إلى السوق الفلسطينية
 

 

في كل زاوية من زوايا دولة فلسطين يتجمع فيها ثلاثة اشخاص وما يزيد يصبح لدينا مجموعة ازمة اقتصادية على المستوى الوطني، في تلك الزاوية في ذاك المطعم كان الجمع مهتماً بعمق العلاقات الفلسطينية – الصينية والتخوف على اثر قرار الحكومة رفع الرسوم الجمركية على المنتجات المستوردة والتي تشكل المنتجات الصينية نسبتها الأكبر على هذه العلاقات.

في السيارة العمومي كان الركاب يتحدثون عن ضعف امكانياتهم لتوفير حاجاتهم الاساسية نتيجة لضعف القدرة الشرائية ضاربين مثلاً أن رفع نصف شيكل على أجرة خط داخلي تعني كارثة بالنسبة لنا فما بالهم بـ 35%، ولا بد من التعريج على الموازنة أذ ان التعاطي مع القضايا الاقتصادية يتم بالجملة.

ذاك التاجر وجيرانه لم يتمكنوا من اخفاء امتعاضهم من قرار رفع الرسوم الجمركية على السلع المستوردة بغض النظر عن بلد المنشأ، وحولوا جمعتهم إلى تجمع اقتصادي بامتياز، واجمعوا ان المواطن يمر مرور الكرام على السوق وينظر ويعود ادراجه دون أن يبتاع شيئاً، والله اننا نشعر بحالهم ونعيش معاناتهم فما بالنا اذا فقد البديل الممكن في الاعياد والمدارس من السلع المستوردة في الوقت الذي سيتفرد مصنع أو مصنعان أو عشرة مصانع بتحديد السعر في السوق ونحن نقول ان اقتصادنا اقتصاد السوق ولا نستطيع تحديد الاسعار.

الجيران في العمارة السكنية بات هذا محور نقاشهم ولكنهم قالوا ان واجباً يقع على عاتق جهة رسمية أن تجبر المستوردين للتدقيق في جودة المنتجات اضافة إلى ضرورة قيام إجراءات لتدقيق المنتجات المستوردة عندما يقال ان هذا قطن 100%، هل هو حقاً قطن أم بوليستر أم ماذا.

أهل تكنولوجيا المعلومات قالوا ولا زالوا يقولون ان جميع اجهزة الحاسوب يتم تجميعها في الصين بغض النظر عن الاسم التجاري، فهل ستقع هذه ضمن الرسوم الجمركية ولا بديل فلسطينياً لها.

الصناعيون متحمسون بشكل غير طبيعي للقرار وهذا أمر لا غبار عليه ولا نقلل من أهميته وهذا يشكل تحدياً جديداً امامهم بخصوص المزيد من التركيز على الجودة والسعر المنافس، وزيادة ساعات العمل لتغطية احتياجات السوق، ولكن اذا كانت السلع المستهدفة بالقرار قد اصابها ما اصابها صناعياً من حيث توقف خطوط الانتاج والتحول للاستيراد فكم من الوقت ستحتاج تلك الصناعات لاستعادة عافيتها، ونحن نعلم أن برامج قد صممت ونفذت لتطوير وفتح اسواق جديدة امام صناعة الجلود والاحذية في دولة فلسطين من حيث جلب خبراء والخروج إلى معارض للتشبيك في ألمانيا والتقييم ودراسة الفرص المتاحة، ولكننا ما زلنا نحتاج بعض الوقت قد يطول أو يقصر، فإقناع صاحب مصنع أحذية بوضع لافتة تحمل اسم مصنعه قد يأخذ وقتاً وحواراً طويلاً.

لماذا لم تتصدَ وزارة الخارجية من خلال وزيرها في جلسة الحكومة التي تم التداول فيها بالقرار الخاص برفع الرسوم الجمركية على السلع المستوردة من الصين من حيث البعد المتعلق بالعلاقات الدولية لدولة فلسطين، ولماذا لم تتصدَ لمسألة تعديل القرار ليشمل كل دول العالم، وهل محاربة الاغراق يتعلق بدولة بعينها أو مجموعة دول أم انه أجراء داخلي بحت.

قلنا وكررنا القول منذ العام 2000 ولغاية اليوم نريد إجراءات غير جمركية لحماية المنتجات الفلسطينية عالية الجودة وذات السعر المنافس، وهذا يعني أن المواصفة الفلسطينية يجب أن تنحاز بالكامل للمنتج الفلسطيني وتتشدد مع بقية منتجات العالم وخصوصاً المنتجات الإسرائيلية التي تغرق السوق الفلسطينية، ويومها تحدثنا عن رفع وزن بروفيلات الالمنيوم في المواصفة الفلسطينية لتتناسب مع المنتجات الفلسطينية بصورة توقف منافسة المستورد وتفتح السوق للمنتجات الفلسطينية، وزيادة سماكة الصاج المجلفن في المواصفة الفلسطينية لصالح المنتج الفلسطيني لضمان عدم منافسته من قبل الإسرائيلي والمستورد، وكذلك الحال مع انابيب المياه والصرف الصحي المنتجة فلسطينياً او المستوردة عبر وكيل فلسطيني ولا يوجد بديل فلسطيني لها.

ولكن منذ العام 2000 وما قبل ولغاية قبل عام فقط من الآن كان الاسم التجاري للالمنيوم الإسرائيلي يوصف في العطاءات الحكومية وقمنا بتوثيق هذا الأمر وراجعنا جهات الاختصاص عبر مؤسسة (الراصد الاقتصادي) لكننا كنا نواجه بمبررات لا علاقة لها بجوهر الموضوع فتارة تربط منتجات الالمنيوم بمنتجات المرتديلا لنقارن البطيخ بباذنجان ولا نقارن التفاح بتفاح، وتارة تحاسب الشركات الفلسطينية المنتجة لهذا الصنف وذاك المنتج باسماء مالكيها وكأنهم ارتكبوا اثماً عظيماً بأنهم استثمروا في دولة فلسطين، واذا كان هذا حال مسؤول في موقع يقرر في بنود عطاء حكومي فما بالكم في صاحب مشغل ألمنيوم أو تاجر حديد بناء أو تاجر دهانات، فماذا سيقول وهو يربح مباشرة من تجارته فقط.

ناقشنا مراراً وتكراراً موضوع استقلالية السوق الفلسطينية في منتج الاسمنت كمكون اساسي من مكونات سوق العقار في فلسطين، ترى لماذا لم نخطوا خطوة إلى الامام رغم أن دراسة الجدوى لإنشاء مصنع اسمنت فلسطيني اعدت قبل قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، واليوم نشهد ازمة في الاسمنت السائل في السوق الفلسطينية بسبب اشكالية في المصنع الإسرائيلي ترافقه تعقيدات استيراد الاسمنت من الخارج وما زال الامر معلقاً للآن.

ونحن في جمعية حماية المستهلك الفلسطيني تركنا الامور تتفاعل تجاه اطلاق الحوار الموضوعي الهادئ حول قرار رفع الرسوم الجمركية بنسبة 35% على المستورد من الصين اولاً ومن ثم بغض النظر عن بلد المنشأ، تركنا الاعلانات تنشر في الصحف شكراً وتقديراً لقرار وزارة الاقتصاد الوطني ووزارة المالية، تركنا الاجتماعات تعقد في تلك القاعة القابعة في الطابق السادس من بناية وزارة الاقتصاد الوطني، وتركنا الامور تتفاعل عبر ندوة هنا وهناك، وتركنا بياناً صحافياً يستنكر القرار.

يوم الاحد 24/3/2013 تاريخ عقد (مؤتمر المستهلك الفلسطيني) من قبل جمعية حماية المستهلك الفلسطيني والذي عقد في رام الله برعاية ومشاركة الدكتور سلام فياض رئيس الوزراء استفسرنا عن الموضوع من باب (غياب مأسسة الحوار الاقتصادي الوطني الذي اطلقه مركز التجارة الفلسطيني – بال تريد واعتبرنا لو أن هذا الحوار تمأسس لما كان تأييد قرار رفع الرسوم الجمركية على المستورد مقتصراً على الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية وبال تريد).

يومها وفي ذات المؤتمر قدم الدكتور فياض مرافعة ارتقت إلى مستوى التوضيح العلمي الاقتصادي المالي محور الحديث، هناك من هو مستفيد من أي قرار حكومي وهناك من هو غير مستفيد وهذا أمر طبيعي وحتماً ستنعكس الأمور في قرار حكومي آخر، لا نتحدث عن جميع ما يستورد من الصين (يومها كان الموضوع محصوراً بالصين) ولا نتحدث عن مدخلات الانتاج ولا المواد الخام، في جميع دول العالم تؤخذ إجراءات لمحاربة الاغراق، نسعى لحماية المنتجات الفلسطينية، ومن يظن أنه بالإمكان التحول للسوق الإسرائيلية فإن ما سينطبق على المستورد عبر الموانئ سينطبق على الآتي عبر السوق الإسرائيلية على السلع التي سيتم تحديدها، نعلم أن معظم مصنعي الاحذية تحولوا إلى مستوردين لها، نريد أن نعيد الاعتبار لصناعات تضررت وكانت قائمة وقوية.

الحضور في المؤتمر من مختلف القطاعات، من الصناعيين والمستوردين والمصرفيين والحقوقيين والمستهلك والتاجر والعمال والطلبة والاعلاميين والاقتصاديين استمعوا لرؤية أخرى عن ابعاد القرار لم يستمعوا لها من قبل، والاهم انها جاءت من على منبر جمعية حماية المستهلك الفلسطيني لإدراك رئيس الوزراء أن هذا المنبر من الأهمية بمكان خصوصاً أذا كنا نريد التوضيح للمتلقي النهائي للخدمات وللسلع والمنتجات المستوردة والمصنعة فلسطينياً.

ويبقى باب النقاش مفتوحاً على مصرعيه، تارة بجدية وتارة بأسلوب هزلي يوصل الرسائل لأصحابها، فمجموعة من تجار إحدى المحافظات كانوا يناقشون أهمية اجتماع ستعقده غرفة التجارة في تلك المحافظة، احدهم قال سيكون موضوع البحث هذا القرار، الآخر اجابه: لا يا سيدي، الأمر متعلق بتوحيد الجمارك الفلسطينية وفي جلسة أخرى سيناقشون هذا الموضوع حسب درجة الأهمية.