الرئيسية » الاخبار »   08 تشرين الثاني 2012  طباعة الصفحة

ورقة موقف حول تنظيم سوق العقار في فلسطين

 

عشية انعقاد مؤتمر التطوير العقاري غداً تحت رعاية سيادة الرئيس ودولة رئيس الوزراء لا بد لنا من النظر بتمعن لما يشهده سوق العقار في فلسطين من تطورات وتداعيات، ونركز في نظرتنا الفاحصة على المواطن ومصالحه وحقوقه بصفته المستهلك الأول لمخرجات سوق العقار سواء كمشتري أو مستأجر لشقق سكنية ومكاتب أو محلات تجارية وغيرها.

تشهدت فلسطين ومنذ عقدين طفرة عقارية تتمثل في عشرات بل مئات مشاريع الاسكانات والمحلات التجارية، هذه المشاريع التي تبهر من يشاهدها لمنظرها الخارجي، لكن قليل من يعي ما تخفيه ورائها من تداعيات جانبية وآثار سلبية. فهناك على سبيل المثال إختفاء متزايد للمساحات الخضراء في المدن مما يضر بالبيئة، وهناك هدم مستمر للمباني القديمة التاريخية التي تشكل كنوزاً ورموزاً للأرث الحضاري الفلسطيني لصالح أبراج ينقص الكثير منها الذائقة المعمارية والفنية، وهناك معادلات اقتصادية ومالية مجحفة تتمثل بالاقراض والاقتراض البنكي غير المنظم وبالفوائد العالية التي تغرق المستهلك في الدين مدى الحياة، وهناك سوء استغلال لقانون تشجيع الاستثمار.

ولا أجد ما أصف به سوق العقار في فلسطين سوى العبارات التالية:أسعار فلكية، قروض بنكية، اكوام حجرية، واجهات زجاجية، تسهيلات ضريبية، فقاعات عقارية، هذا حول الحال.

 

لا أود أهدف في هذا المقال البحث في جميع التداعيات، إنما أسعى للتركيز على المعاناة المباشرة التي يتعرض لها المستهلك من جراء هذا التطور العقاري العشوائي، لا بل هذه الفوضى العارمة التي تسيطر، تحديداً، على قطاع الإسكان من حيث الشراء أو الاستئجار. حيث أن هذا القطاع على تماس مباشر بحياة وحقوق مئات الآلاف من المستهلكين ممن "بلعوا السكين"، نتيجة غياب القانون الواضح، او نتيجة جهلهم بحقوقهم القانونية وبالتفاصيل الدقيقة لأصول شراء الشقق السكنية، ونتيجة تقصير الجهات الرسمية في حماية حقوقهم كمستهلكين، ونتيجه طمع وجشع بعض البائعين أو المؤجرين، ولا نعمم هنا.

أن من يرصد الحال يتيقن لا بل يصدم بتجارب مريرة لمستهلكين في قطاع العقار في رحلاتهم المستحيلة لاستعادة حقوقهم من اصحاب الاسكانات التجارية سواء خلال عملية البناء والتسليم أو بعد السكن في "شقة العمر". يأتي المواطن بعد أن تعجزه بيروقراطية المؤسسات، يأتي المواطن شاكياً، وربما باكياً، بعد أن دفعه تحويشة العمر وتوقيعه عقداً تعاقدياً لا قيمة له من الناحية القانونية، يأتي المستهلك، بعد اكتشافة حجم المقلب الذي وقع فيه بدءاً بالسعر المرتفع مروراً بسوء مصنعية أعمال التشطيبات وتمديدات الصرف الصحي والكهربائي، مرورا بانعدام العزل المائي والحراري، وانتهاء بالتلاعب الفاضح في نوعية المواد الإنشائية ومواصفات البناء ومساحته الفعلية. ناهيك عن عدم الالتزام بمواعيد التسليم سواء للشقة أو المكتب أو العيادة أو لسند الطابو.

 

إن انهاء معاناة المواطن بتنظيم سوق العقار لهي مسؤولية متعددة الاطراف، فهي تقع على عاتق الحكومة، ممثلة بعدة وزارات في مقدمتها وزارة الحكم المحلي ووزارة الاشغال العامة والاسكان وأذرعهم الرقابية والتنفيذية، أنها مسؤولية تقع على عاتق البرلمان الغائب المغيب والبلديات والمجالس المحلية والمحافظات، وكذلك شركات الخدمات كالكهرباء والماء وجهاز الدفاع المدني وكذلك نقابات المهندسين واتحادات المقاولين وغيرهم. ولتوضيح الاشكاليات وعلاجها لا بد من التوقف عند الافكار التالية:

 

1.     لم يصاحب النهضة العقارية التي تشهدها فلسطين في السنوات الاخيرة اي تطوير أو تحديث للقوانين الناظمة لقطاع الاسكان. فالقانون الساري المفعول هو قانون تنظيم المدن والقرى والابنية الاردني من العام 1966 وهناك ايضا قرار مجلس الوزراء الفلسطيني رقم 6 من العام 2011 بنظام الابنية والتنظيم للهيئات المحلية والذي يعود الى نظام احكام الابنية والتنظيم للهيئات المحلية من العام 1996. باختصار ودون البحث في التفاصيل هذه القوانين غير كافية لانها لا تنظم العلاقة بين البائع والمشتري في قطاع العقار.

2.     لا يوجد عقد موحد قانوني مدروس ومعتمد من الجهات المسؤولة ينظم عملية بيع وشراء الشقق السكنية. لكل مقاول عقد يختلف عن الآخر، وتحتوي العديد من العقود المتداوله على "مطبات"، إن لم يكن "أفخاخ"، توقع المستهلك الذي يخوض التجربة للمرة الأولى في عمليات غبن وخداع.

3.     لا توجد مرجعية قانونية مؤسساتية، سوى ربما المحاكم النظامية أو محاكم البلديات، من الممكن أن يلجأ اليها المواطن لفض الخلافات وتحصيل الحقوق من المقاول. ومن المعروف كم من الوقت والعناء يتكلف المواطن لدى توجهه الى المحاكم في القضايا الحقوقية.

4.     لا يجود أي ضمانة قانونية ككفالة بنكية الزامية أو غيرها للصيانة يودعها البائع لضمان معالجة سوء المصنعية وأي خلل في البناء بعد تسليمه للمشتري، ولا توجد جهة رسمية لمتابعة ذلك.

5.     يشعر المواطن أن الهم الاساس للبلديات ينحصر في جمع الأموال من خلال تراخيص البناء. فالبلدية تعتبر المقاول صاحب عمارات الاسكان والمحلات التجارية مصدر دخل ممتاز لها. لذلك تقدم له التسهيلات والرخص وتتغاضى، بعض البلديات، عن الكثير من تجاوزاته لقاء الحصول على "المعلوم" عفواً الرسوم.

6.     تقبل البلديات بالمقابل المالي "المعلوم" في حال حدوث مخالفات للرخص الممنوحة، بدلا من اصرارها على أزالة وتعديل المخالفة.

7.     لا تربط البلديات قديم المخالفات بجديد الرخص. قديم المخالفات يعني معاناة المواطنين وهضهم حقوق المستهلكين.

8.     أما في بعض المدن الفلسطينية فيوجد أبنية غير مرخصة أصلا، ولا يوجد للبلديات سلطة لأزالتها وتعديل المخالفات. ولا يتم تنفيذ أية أوامر هدم خشية مقارنة هذه الأعمال بممارسات الاحتلال في هدم البيوت.

9.     تعاني المدن من الاكتظاظ العمراني بسبب محدودية الاراضي وضيق المساحات المصنفة وفق اتفاقيات أسلو بمناطق أ و ب، تلك التي يسمح فيها بالبناء، وهذا شأن سياسي وهناك أيضا غياب للمخططات الهيكلية ، أي ما يعرف (Master plan) في بعض المدن.

 

وهنا لا بد من التوصية بضرورة تنفيذ الخطوات التالية:

1.    سن قانون واضح، يصدر بقرار عن مجلس الوزراء، لتنظيم العلاقة بين المقاول والمستهلك، أي بين البائع والمشتري في الاسكانات والمحلات التجارية ، بحيث يحدد حقوق وواجبات كل واحد منهم.

2.    اعادة النظر في جميع القوانين الناظمة لقطاع العقار أو المتعلقة فيه بما فيها ضرورة تحديث قانون الايجار والاسئجار.

3.    يجب على الحكومة أن تنجز العقد الموحد القانوني الناظم لعميات بيع وشراء العقار، وتلتزم به جميع الاطرف. يجب أن يتضمن العقد الموحد جميع حيثيات التعاقد من دفع العربون مروراً بالبناء ومواصفاته وصولا الى التسليم والافراز والتسجيل أي الطابو وانتهاءاً بكفالات الجودة وغيرها بشكل يحمي حق المستهلك.

4.    يجب ايجاد مرجعية قانونية مؤسساتية لفض خلافات المستهلك مع أصحاب المشاريع الاسكانية والتجارية وتحصيل الحقوق.

5.    تعديل الأنظمة والقوانين البلدية الخاصة بموضوع التراخيص والمخالفات بحيث يمنع قبول المقابل المالي عوضاً عن تعديل المخالفة الانشائية.

6.     يجب على وزارة الحكم المحلي تفعيل أجهزة الرقابة على الدوائر الهندسية في البلديات والفحص الدوري والمستمر للرخص من حيث الالتزام بالقانون.

7.    يجب على وزارة الحكم المحلي والاسكان والبلديات الرقابة على الالتزام الحقيقي بالاشراف الهندسي الالزامي وأذونات الصب.

8.    يجب على الشركات المزودة لخدمات الكهرباء والماء والهاتف والجهات مانحة الرخص للغاز والمصعد وغيره اتباع نهج صارم تجاه كل من يقوم بالتجاوزات بحيث لا تقدم الخدمات إلا لمن يمتلك براءة ذمة حقيقية لا شكلية.

9.    يجب أن يكون على سلم أولويات القيادة الفلسطينية العمل على انتزاع حق المواطن الفلسطيني في البناء على كامل الارض الفلسطينية وليس فقط مناطق أ و ب.

10.                       ضرورة انجاز الخطط الهيكلية لجميع المدن الفلسطينية والعمل ضمن اطارها ولا يجوز ان يبقى الاحتلال أو المستوطنات شماعة نعلق عليها غياب التخطيط الهيكلي العام.

العمل على ايجاد الاليات والمؤسسات ذات الصلاحيات لتصنيف شركات الاسكان والمقاولين، ومخالفة أو مكافئة المقاولين والشراكات و