الرئيسية » الاخبار »   07 تشرين الثاني 2012  طباعة الصفحة

الفرص المتاحة عبر نقاش بروتوكول باريس الاقتصادي… بقلم: صلاح هنية

هذه الأيام يتفاعل العديد من الاقتصاديين والمهتمين وغير الاقتصاديين في موضوع بروتوكول باريس الاقتصادي والخيارات المتاحة، وهل يعد الاتفاق الجديد بخصوص المقاصة ومنطقة التخليص الجمركي تعديلاً على البروتوكول.

وفي خضم هذا النقاش الدائر، كان السؤال الحاضر بقوة وذكاء كبيرين: هل هناك قرار سياسي بتعديل بروتوكول باريس الاقتصادي؟ وقفز على الفور سؤال آخر: هل المطلوب من التعديلات تحسين الجباية لحل الأزمة المالية للسلطة الوطنية الفلسطينية؟.
لم يكن توجه الرأي العام الفلسطيني بخصوص فتح بروتوكول باريس إلاّ من باب التخلّص من التبعية الاقتصادية للاقتصاد الإسرائيلي، وتقوية قدرات القطاعات الاقتصادية الفلسطينية، وتعزيز المنتجات الفلسطينية والتجارة الفلسطينية، وتقوية أركان مؤسسة المواصفات الفلسطينية، وإعادة الاقتصاد الفلسطيني لعمقه العربي الذي اختصر إلى 4% من قيمة ما يورد للسوق الفلسطينية مقابل 3.5 مليار دولار سنوياً من السوق الإسرائيلية.
وفي خضم هذا النقاش، وهل التعديلات تمتلك لوائح إجرائية تنفيذية تجعلها قابلة للتطبيق أم سيكون مصيرها كمصير تفاهمات سابقة تمت في العام 2000 مثلاً، وضعت ثلاثة سيناريوهات بخصوص بروتوكول باريس الاقتصادي.
1- فتح البروتوكول للتعديل، وبالتالي نخوض مفاوضات حوله كونه جزءاً من الاتفاق السياسي.
2- التركيز على تنفيذه كما هو ولكن استغلاله بأفضل صورة من خلال بعض البنود التي لم ينفذها الجانب الإسرائيلي.
3- إعلان وفاة بروتوكول باريس الاقتصادي من جانب واحد.
طبعاً سأتفق مع وجهة النظر التي ترفض التعاطي مع الأمور بقدر من التبسيط الذي يصل إلى الاستخفاف بالعقول أحياناً كثيرة، كمن يطرح أحياناً أن حسن الأداء التفاوضي سيقود إلى نتائج إيجابية دون الأخذ بعين الاعتبار أن الحكومة الإسرائيلية لا تريد تنفيذ النقاط الأربع عشرة المتضمنة في البروتوكول ولا تنفذها الحكومة الإسرائيلية بحكم الأمر الواقع، بما أن الخطاب الرسمي يريد أن يلقي بالأزمة المالية والتضخّم على كاهل الاحتلال فإن الخوض بعدم حسن تنفيذ الحكومة الإسرائيلية بروتوكول باريس الاقتصادي، والتركيز على أن التعديل عليه سيفضي إلى الدخول في مفاوضات تقود صوب السلام الاقتصادي الذي يريده نتنياهو، بالتالي بتنا نبحث عن تعديلات معظمها مالي يتعلق باسترجاع حقوق ضائعة من المقاصة ومن التهرب الضريبي عبر عدم الإفصاح عن البيان الجمركي الحقيقي للسلع، وعبر الحديث عن ضياع أموال من مصادر مختلفة على الخزينة والتعديل سيفيد باسترجاعها مثل ضريبة المعابر، ضرائب شركات الاتصالات الإسرائيلية، ضريبة الشركة الناقلة للكهرباء، مخالفات السير.
في خضم هذا النقاش، كان هناك من يتصدى بطرح أسئلة مفتاحية رافضاً التبسيط، ولكنه في الوقت نفسه يطرح أن الموضوع ليس طوابع ولا ضريبة معابر، الموضوع أكثر عمقاً من هذا بكثير، الأهم موضوع القبول بوضع منطقة التخليص الجمركي على المعابر التي وضعها الاحتلال ليس على حدود 1967 وربطها بجدار الفصل والعزل، فهل هذا توجه أم أفضل الممكن، إن ما يدور الحديث حوله من تعديلات يصب باتجاه تفاهمات ستفضي إلى اتفاق حتماً بصرف النظر عن شكله.
القضية بعمق أكثر أن الحديث الذي يدور عن بروتوكول باريس الاقتصادي لم يكن تجميلياً بالأساس بل كان الهدف من طرح هذا الموضوع كقضية مركزية في أوساط الرأي العام الفلسطيني كان ولا يزال الوصول إلى اقتصاد فلسطيني مستقل يعزز الصمود، ولم يكن الهدف فقط قضايا مالية على أهميتها وضرورتها ونحن نخطّئ من يخفي فاتورة المقاصة ومن لا يفصح عن قيمة البيان الجمركي للسلع المستوردة ونخطّئ من يستسهل الاستيراد عبر وكيل إسرائيلي لأنه لا يستطيع تحمل الأعباء المالية لتخزين كميات كبيرة، لكن الهدف كان إحداث نقلة نوعية وإستراتيجية على المستوى الاقتصادي تحقق فك تبعية الاقتصاد الفلسطيني عن الاقتصاد الإسرائيلي.
يجب أن يكون واضحاً أن نتائج بروتوكول باريس الاقتصادي والغلاف الجمركي الموحد جميعها قادت إلى أسعار مرتفعة وهي عملياً تنخفض في السوق الإسرائيلية؛ الأمر الذي يفاقم أزمة المستهلك الفلسطيني، وهذا ليس استنتاجاً ولكنه واضح من خلال سلسلة عمليات مقارنة أسعار سلع بعينها بين السوق الفلسطينية والإسرائيلية ميدانياً ومن خلال الإطلال على مواقع إلكترونية إسرائيلية تطرح الأسعار الأصلية وأسعار العروض تكون أقل أحياناً كثيرة من أسعار العروض في السوق الفلسطينية.
أعتقد جازماً أننا اليوم أكثر نضجاً ولدينا تجربة ماثلة أمامنا وهي تنفيذ بروتوكول باريس الاقتصادي على أرض الواقع وبالتالي لا يوجد مجال للتجربة والخطأ والاعتقاد للحظة أننا سنأتي بالذئب من ذيله في حالة قمنا بعملية تجميلية شكلية.
أعتقد جازماً أننا بحاجة للقيام بواجبنا فلسطينياً من حيث التحضير لأي خطوة قادمة من حيث الاستفادة من كل الخبرات المتاحة لدراسة الأمر برمته.
أعتقد جازماً أن جلسات العصف الذهني التي تتم في مواقع مختلفة منها ما هو متخصص ومنها ما هو منبر سياسي فقط ومنها ما هو متعلق بأصحاب الصلة المباشرة في آليات التنفيذ وهم عموماً القطاع الخاص الفلسطيني، ولكن هذه الجلسات يجب ألاّ تتحول إلى فض مجالس وبالتالي القفز من موضوع إلى موضوع ومن دراسة إلى دراسة دون رابط ومراكمة وبالتالي الوصول إلى استنتاجات تكون بحجم التحديات الناجمة عن بروتوكول باريس الاقتصادي وعن سياسة الاحتلال التي تحاصر وتفصل وتعزل.
أعتقد جازماً أن سياسة الاستخفاف بأي رأي يحمل بعداً تقويمياً في السابق في فترة ما كانت الأمور (سكر ولوز) لم تعد مجدية اليوم والآن ويجب أخذ الآراء التقييمية التي تعتمد منهجاً علمياً ورأياً مستنداً إلى دراسات وأبحاث وليس الرأي الخطابي التشكيكي التدميري.
أعتقد جازماً أن أي خبير أو صاحب رأي علمي اقتصادي لم يعد له عذر في أن يغلق هاتفه النقال ويقطع كل وسائل التواصل معه بحجة أنه لا يريد أن يخوض في هذا الملف لكي لا يقال عنه شيء يمسه، فالصمت هو شقيق شرعي للمشاركة الجاهلة التي تفضي إلى نتائج كارثية.
أعتقد جازماً أن لعبة الأرقام لم تعد مغرية لأحد، تارة نقول إن ما يضيع على خزينة السلطة نتيجة إخفاء فواتير المقاصة وعدم الإفصاح عن البيان الجمركي وغيرها تصل إلى رقم مذهل للعقول فيأتي مسؤول فلسطيني ليقول إن هذا الرقم أقل بكثير مما هو في الواقع وحسب المعطيات القائمة بين أيدينا.
أعتقد جازماً أن اقتصاداً فلسطينياً ضعيفاً وتابعاً يجب أن يتوقف أمام مفاصل وعناوين مهمة جداً وإذا كنا نعتد بأرقام الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فماذا عن أن الاقتصاد الفلسطيني بمختلف قطاعاته قد استثمر خارج الأراضي الفلسطينية بقيمة تفوق تلك المستثمرة في الأرض الفلسطينية من الخارج، حيث ساهمت الإيداعات النقدية للبنوك المحلية المودعة في البنوك الخارجية إضافة إلى النقد الأجنبي الموجود في الاقتصاد الفلسطيني بالقيمة الرئيسة في الأصول الخارجية وبما نسبته 63.6% من إجمالي قيمة الأصول الخارجية، وبلغ إجمالي رصيد الدين الخارجي على الأراضي الفلسطينية حوالي 1,597.0 مليون دولار أميركي.

[email protected]

 
 
 
 
 
 
الأيام 29-9-2012-1