الرئيسية » الاخبار »   06 أيلول 2012  طباعة الصفحة

"اونكتاد": مناداة الوكالات الدولية بإجراءات تقشف تتجاهل أسباب الأزمة المالية للسلطة وواقع الاحتلال، وقد تأتي بنتائج عكسية

 

وجهت منظمة تابعة للامم المتحدة انتقادات لمناداة بعض الوكالات الدولية باجراءات تقشف مالي في السلطة الفلسطينية، محذرة من تداعيات اجتماعية خطيرة لمثل هكذا اجراءات.
وقالت منظمة مؤتمر الامم المتحدة للتجارة والتنمية "اونكتاد" ان هذه الدعوات "لا تتجاهل أسباب الأزمة وواقع الاحتلال فحسب، بل قد يأتي ايضاً بنتائج عكسية، لأن المضي في زيادة خفض الإنفاق يؤدي إلى تباطؤ اقتصادي إضافي، فتنكمش القاعدة الضريبية وتتضخم فواتير إنفاق السلطة الفلسطينية في الميدان الاجتماعي".
ونبهت المنظمة الاممية، في تقريرها السنوي حول المعونات المقدمة للسلطة الفلسطينية، إلى أن زيادة الضغط على العمالة والأجور في القطاع العام تهدد بمزيد من الكساد في الاقتصاد، وتقوض التماسك الاجتماعي، وتشكل خطرا على أي تقدم أُحرز في سبيل إرساء الدعائم المؤسسية لدولة فلسطينية لديها مقومات البقاء.
وعرض التقرير خلال مؤتمر عقد في مقر معهد ابحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني "ماس" برام الله، تحدث فيه ممثل المنظمة الدولية في فلسطين مسيف مسيف، ومدير عام معهد "ماس" د. سمير عبد الله.
وتوقع التقرير تراجع التنمية الاقتصادية في الأرض الفلسطينية المحتلة على المدى الطويل، نتيجة الحصار الاسرائيلي لقطاع غزة وعمليات الإغلاق في الضفة الغربية.
تراجع المعونة والأزمة الاقتصادية
واشار التقرير إلى استمرار عجز الميزانية الفلسطينية رغم تواصل جهود السلطة من أجل خفض الإنفاق وتعزيز الإيرادات الضريبية، معتبرا أن استمرار الضعف المالي للسلطة ناجم أساساً عن عدم التمتع بالسيادة، وتسرب الإيرادات إلى إسرائيل، وفقدان نواتج وإيرادات ممكنة من جراء التدابير التي يفرضها الاحتلال، وتفاقمت آثار ضعف الإيرادات من جراء تراجع دعم الجهات المانحة الذي يقل بمبلغ 520 مليون دولار عن احتياجات التمويل اللازمة للسلطة الفلسطينية في العام 2011، ونتيجة لذلك، راكمت السلطة ديوناً ومتأخرات مستحقة للقطاع الخاص، وارتفعت قيمة المتأخرات بمبلغ 540 مليون دولار، وبلغت الديون المستحقة للمصارف المحلية 1.1 مليار دولار، أي 50% من الإيرادات العامة.
واعتبر التقرير ان ما تحقق من نمو اقتصادي في الأرض الفلسطينية المحتلة في العام 2011 (9.9%) " لا ينبغي أن يساء تفسيره، اذ ان هذا النمو، ولا سيما في قطاع غزة المحاصر، نتج عن أنشطة إعادة الإعمار عقب الدمار الذي تسببت به العملية العسكرية الإسرائيلية في الفترة من كانون الأول 2008 إلى كانون الثاني 2009.
وقال ان الاقتصاد المحلي في غزة نما بنسبة 23% في عام 2011، في حين أن الاقتصاد المحلي في الضفة الغربية نما بنسبة 5.2%، "ومع ذلك، لا يزال نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في غزة أقل بنسبة 10 في المائة عن مستواه في عام 2005".
وعرض مسيف نتائج التقرير، التي اشارت إلى أن النمو الذي تحقق في عام 2011 وفي مستهل عام 2012 ليس مستداما، اذ يعكس تدهور مستوى أداء الاقتصاد في نهاية العام 2010 عقب الأضرار الناجمة عن الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة، ويعزى ذلك أيضا إلى الأضرار الاقتصادية الناجمة عن عمليات الإغلاق التي تمارسها إسرائيل في الضفة الغربية، اضافة الى اعتماد نسبة كبيرة من النمو على المعونة. ويشير التقرير إلى أن التوسع الاقتصادي الذي شهده العام الماضي اقترن بتراجع الأجور الحقيقية وإنتاجية اليد العاملة، ولم يؤد إلى خفض معدلات البطالة المرتفعة، التي ظلت عند مستوى 26%، فيما يستمر الفقر الشديد، وانعدام الأمن الغذائي المزمن الذي يعاني منه اثنان من كل ثلاثة فلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة، وهو أشد من ذلك في غزة، "في حين يبلغ معدل الفقر مستوى مهولاً أيضاً في القدس الشرقية، حيث يُقدّر بنسبة 78%، أي أعلى من معدلاته في الضفة الغربية وغزة".

العقبة الرئيسية تكمن في ممارسات الاحتلال

وقال التقرير إن غزة لا تزال خاضعة للحصار الاقتصادي، وإن عدد الحواجز المفروضة على تنقل الفلسطينيين والسلع الفلسطينية في الضفة الغربية زاد من 500 حاجز في عام 2010 إلى 523 حاجزاً في عام 2011، وزادت عمليات هدم المنازل والبني التحتية الفلسطينية في العام 2011، وأدى توسيع المستوطنات الإسرائيلية، ولا سيما في المناطق المحيطة بالقدس الشرقية وبيت لحم، إلى تفتيت الأرض الفلسطينية الى جيوب مقطعة الأوصال ومنفصلة عن بعضها البعض.
ولفت التقرير الى ان المعونة شكلت، في السنوات الأخيرة، عاملاً أساسياً لاستدامة الاقتصاد الفلسطيني والحيلولة دون وقوع أزمات اجتماعية اقتصادية أعمق، محذراً من ان تراجع المساعدات الخارجية في العام 2011 ومستهل العام 2012 "ستكون له تداعيات اجتماعية اقتصادية خطيرة"، لكنه اعتبر ان الحساسية الاقتصادية لتقلب مستويات المعونة "هي مجرد عارض من عوارض مشكلة التنمية الفلسطينية وليست سببا فيها".
وقال التقرير: السبب الحقيقي (لتدهور الاقتصاد الفلسطيني) يرتبط ارتباطاً مباشراً بالاحتلال، أكثر من ارتباطه بالسياسات الاقتصادية للسلطة الفلسطينية، فقد قضى الاحتلال على جميع فرص التسويق والاستثمار المحلية والخارجية تقريباً، وأدى إلى تآكل الأراضي والموارد الطبيعية المتاحة للفلسطينيين لمزاولة أنشطة منتجة اقتصادياً، وتقتصر الاستثمارات العامة والخاصة على 63% من أراضي الضفة الغربية المعروفة باسم المنطقة "ج"، الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، بينما لا يزال الحصار الاقتصادي مفروضاً على غزة. واضاف: في ظل هذه الظروف، من الصعب بناء الدولة، وينبغي أن تركز جميع الجهود على منع المزيد من التعدي على القاعدة الإنتاجية الفلسطينية من خلال المستوطنات والاحتلال، وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي عكس مسار الوضع القائم إلى تمهيد السبيل نحو بناء دولة فلسطينية لديها مقومات البقاء، على النحو المتوخى في قرارات الأمم المتحدة.
ولفت الى أن تبعية الاقتصاد الفلسطيني لإسرائيل ما زالت كبيرة، حيث بلغت التجارة مع إسرائيل أو عبرها حوالي 83% من مجموع التجارة الفلسطينية في العام 2011، في الوقت الذي شكل فيه العجز التجاري الفلسطيني مع إسرائيل 84% من العجز الإجمالي في عام 2011.
وقال: ان هذه التبعية الاقتصادية القسرية تحرم الفلسطينيين من مصادر الواردات الأكثر قدرة على المنافسة ومن أسواق التصدير، وتزيد أيضاً من قابلية تأثر الأرض الفلسطينية المحتلة بالتدابير الأمنية والشروط الاقتصادية الإسرائيلية.

الاحتلال يحول دون انطلاقة في قطاع الزراعة
وقال التقرير ان الحصار الاسرائيلي يجعل من الزراعة الفلسطينية عاجزة عن تحقيق إمكاناتها على صعيدي الإنتاج والعمالة، اذ تقلصت مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني من 12% في عام 1995 إلى 5.5% في عام 2011، ولا يُسقى فعلياً سوى 35% من الأراضي المعتمدة على الري في الأرض الفلسطينية المحتلة، الأمر الذي يكلف الاقتصاد 110 آلاف فرصة عمل سنوياً، و10% من الناتج المحلي الإجمالي، وعلاوة على ذلك، أدى بناء جدار الفصل الإسرائيلي إلى محاصرة 10% من أراضي الضفة الغربية في "منطقة التماس" بين جدار الفصل وحدود عام 1967. وأصبح من العسير على آلاف المزارعين الفلسطينيين الوصول إلى أراضيهم وزراعتها في تلك المنطقة بسبب صعوبة الحصول على ما يلزمهم وعمالهم من تصاريح إسرائيلية للعبور من بوابات الجدار.
كذلك، قال التقرير ان الإنتاجية الزراعية تراجعت بنسبة 33% نتيجة للحظر الإسرائيلي على الأسمدة المستوردة العالية الجودة، ومن ثم أصبحت الأنشطة الزراعية أقل قدرة على الاستمرار، وفقد العديد من المزارعين الفلسطينيين مصدر رزقهم، فيما اقتُلع حوالي 2.5 مليون شجرة مثمرة منذ عام 1967.
ويشير التقرير إلى أن صناعة الصيد الفلسطينية تكاد تكون قد انهارت بالكامل، بسبب تقييد الصيد قبالة سواحل غزة في حدود 3 أميال بحرية بدلاً من مسافة العشرين ميلاً المعترف بها دولياً. وانخفض عدد الصيادين بنسبة 66 في المائة منذ عام 2000، فيما تنتج الصعوبات الأخرى عن إفراط إسرائيل في استخراج المياه بما يتجاوز الحصة المحددة في اتفاقات أوسلو لعام 1993، حيث تستخدم المياه المستخرجة داخل الحدود والمستوطنات الإسرائيلية، ويُحرم كل من السلطة الفلسطينية والمزارعين الفلسطينيين من الحق في حفر الآبار لتلبية طلب السكان الفلسطينيين المتزايد على المياه.
ويخلص التقرير إلى أن هذا الإفراط الإسرائيلي في استخراج المياه يحدث حتى عندما يكون مصدرها بأكمله تقريباً داخل الأرض الفلسطينية المحتلة.
ويؤكد التقرير أن قطاع الزراعة الفلسطيني قادر على المقاومة وتحقيق انتعاش سريع ومستدام رغم أنه يعمل بربع إمكاناته، ولكن الدراسة تفيد بأن الجهات المانحة والسلطة الفلسطينية قد أهملتا القطاع الزراعي. وتوصي باتخاذ تدابير تصحيحية للتعويض عن تأثير الاحتلال، وينبغي إنشاء مصرف للتنمية الزراعية لتقاسم المخاطر وتقديم القروض وخدمات التأمين ودعم التسويق وخدمات ما بعد الحصاد، فضلاً عن تمويل وضمان الاستثمار في الهياكل الأساسية الخاصة بالزراعة والمياه.
واستهل عبد الله المؤتمر بالتوضيح ان التقرير يركز على مؤشرات أداء الاقتصاد الفلسطيني، الذي ما زال يعاني من معدلات مرتفعة في الفقر والبطالة، وتزايد العجز التجاري نتيجة التبعية للاقتصاد الإسرائيلي على الرغم من ارتفاع معدلات النمو، إضافة إلى تراجع دور المعونات الدولية في التنمية الاقتصادية في فلسطين، ومدى تأثيرها على الاقتصاد المحلي، كما يتعرض التقرير إلى الأزمة المالية الخانقة التي تتعرض لها السلطة الوطنية الفلسطينية.
وأضاف: ان التقرير يقترح رزمة من التوصيات والمشاريع للمساعدة في التنمية الاقتصادية ويستعرض الإنجازات التي حققتها أمانة "أونكتاد".