الرئيسية » الاخبار »   15 تموز 2012  طباعة الصفحة

نقص و«طوعية» المواصفات يفتحان باب الغش في مواد التنظيف

 

أقل من 1 % من المواصفات لها تعليمات فنية الزامية وربع السلع في السوق لا مواصفات لها أصلا!
حياة وسوق - منتصر حمدان - «نشتري الغالون على اساس انه كلور لكن الزبائن حينما يشترونه يتذمرون من عدم فاعليته ويكتشفون ان اكثر من نصفه ماء»، هكذا تحدث التاجر محمد رشيد عن مشاكله مع مواد التنظيف المنزلي المنتجة محليا، موضحا ان اي تلاعب من الشركات المنتجة لهذه المواد وغيرها يساهم في مواقف سلبية لدى المواطنين والتجار من المنتجات المحلية.
وحسب ما اكده رشيد والعديد من التجار لـ»حياة وسوق» فان المشكلة تكمن بالاساس في عدم توفر مواصفات معلنة او تعليمات فنية ملزمة ومعتمدة بخصوص المواد الكيماوية التي منها الكلور وسائل الجلي ومعطرات الجو، في ظل غياب وعي التجار انفسهم ووعي المواطنين بمعايير وشروط المواصفات لهذه المواد التي تدخل كل بيت.
وقال رشيد: «الطريقة التي نعتمدها في ظل عدم وجود المواصفات المعلنة لمواد التنظيف هي آراء ومواقف الزبائن الذين يستخدمونها»، مشيرا الى انه في الكثير من الاحيان يأتي الزبائن محتجين على عدم فاعلية مواد التنظيف وسائل الجلي المحلي ويقولون انها كثيرا ما تكون عبارة عن مياه مضاف اليها بعض الكلور او المواد الكيماوية التي تدخل في صناعتها»، مقرا بان مثل هذه الممارسات من قبل المنتجين او التجار تساهم في هدر اموال المواطنين من جانب، وتنزع ثقتهم بالمنتجات المحلية لصالح المنتجات الاجنبية والاسرائيلية، من جانب آخر.
ويحرص اغلب المواطنين على شراء مواد التنظيف مثل الكلور وسائل الجلي بحجم كبير «غالونات» لاستخدامه اليومي في عمليات التنظيف المنزلي، ومن المفترض ان يحتوي كل غالون 4 لترات من المواد الكيماوية المركزة، في حين تحرص بعض الشركات المنتجة على وضع اشارة واضحة الى نسبة تركيز الكلور في كل غالون التي عادة ما تبلغ
4.5 %، لكن في المقابل فان وضع مثل هذه الاشارة على الغالون لا يعني الالتزام الحقيقي بوجود فعلي لهذه النسبة داخله، الامر الذي يظهر من عدم فاعليته في ازالة الاوساخ والحصول على النظافة المتوقعة، وهذا بدوره يكشف حقيقة ان تركيز هذه المواد غير مطابق لبطاقة البيان التي يجب ان تكون على المنتج المحلي او حتى المواد المهربة.
ووفقا لمسؤولين في وزارة الاقتصاد الوطني فان عدم وجود تعليمات فنية الزامية للتجار فيما يخص المواصفة الفلسطينية للمواد الكيماوية يشكل ثغرة حقيقية ينفذ منها التجار للتهرب من هذه المسؤوليات ما ينتج عنه بشكل مباشر عدم فاعلية المواد الكيماوية اضافة الى استنزاف اموال المواطنين والوقوع في حالة فوضى شبه عامة في هذ المجال، ويضاف الى ذلك مخاطر صحية قد يتعرض لها المواطنون وتحديدا ربات البيوت اذا ما تعرضن لنسبة كبيرة من المواد الكيماوية المستخدمة في التنظيف خاصة ايديهن.
ويحمل رشيد غالون سائل جلي بيديه ويرفعه ويقول: «انظر الى هذا الغالون الذي لم استطع بيعه منذ اشهر، لان نسبة المياه الكبيرة بداخله واضحة وكل زبون يراه يرفض شراءه»، موضحا ان الكثير من الزبائن يصلون محتجين الى محله مطالبين باعادة هذه المنتجات بسبب عدم فاعليتها.
واضاف: «اغلب مواد التنظيف المحلية لا توجد عليها مواصفات واضحة رغم وجود بعض التعليمات والارشادات، لكن هذا غير كاف»، موضحا ان غياب المواصفة «يوقعنا في اشكالية مع الزبائن وهذا من حقهم لانهم يريدون بضائع بجودة عالية».
وتابع: «نحن كتجار لا علم لنا بالمواصفة الخاصة بمواد التنظيف ولا اعتقد ان المواطنين يعلمون عنها شيئا»، الامر الذي يؤشر الى وجود اشكالية في هذا المجال اذا ما تم الاخذ بعين الاعتبار غياب التعليمات الفنية الالزامية لتطبيق المواصفات اذا ما وجدت.
ويؤدي غياب التعليمات الفنية الالزامية للمواصفة الفلسطينية في حال وجودها، الى تشريع عمليات التلاعب والتهريب للعديد من المنتجات خاصة ذات الطابع الكيماوي، ما يتيح لبعض التجار والشركات المنتجة الدخول في مربعات التلاعب بالمقادير والاوزان. 
ويقول احد المسؤولين في وزارة الاقتصاد الوطني بعد ان طلب عدم الكشف عن اسمه: «غياب التعليمات الفنية الالزامية لتطبيق المواصفة يعطي مساحة للتجار والمنتجين للتلاعب ويضعف في الوقت ذاته قدرة طواقم التفتيش على الرقابة والمتابعة في حال وقوع تجاوزات لان اصحاب هذه الشركات محميون بغياب التعليمات».
ويؤكد رشيد التي يتولى ادارة محل تجاري متواضع في مدينة البيرة ان طواقم الرقابة والتفتيش التابعة لوزارة الاقتصاد الوطني تعمد الى التفتيش على المأكولات والمواد الغذائية بصفة عامة لكنهم لا يبالون بمراقبة او متابعة او حتى السؤال عن مواد التنظيف بمختلف انواعها بغض النظر عن مصدرها.
في حين يصف احد المسؤولين في وزارة الاقتصاد الوطني ما يجري في هذا المجال بانه «حالة فوضى عامة». وقال: «هذا يكشف بشكل جلي ان غياب المواصفة الفلسطينية او عدم اسنادها بتعليمات فنية يمثل دعما رسميا للمنتجات المخالفة وتشجيعا على تهريب السلع والغش والخداع للزبائن»، موضحا انه في حال وجود المواصفة وعدم وجود التعليمات الفنية لها فانها لا تلزم التجار او المنتجات بأي شيء.
واضاف: «على سبيل المثال فان الكلور يجب ان يكون تركيزه 3.5 % للمستهلك، لكننا اذا ما قمنا بفحصه فاننا نجد ان هذه النسبة تكون مخالفة لبطاقة البيان التي تلزم المنتج بوضعها على المنتج»، موضحا ان عدم وجود تعليمات فنية الزامية للمواصفة يجعلهم غير قادرين على معرفة تأثيرات المنتج على سلامة وصحة المواطنين الذين يستخدمون هذه المواد في التنظيف المنزلي.
وفي المقابل، فان العديد من النسوة والرجال من ارباب المنازل اكدوا لـ«حياة وسوق» ان ايديهم تتعرض لانواع من الحساسية من بعض مواد التنظيف المحلية، في حين اشاروا الى ان هناك بعض الشركات تعمد الى تخفيف نسبة تركيز الكلور الى ادنى مستوى تحت ذريعة الحفاظ على سلامة ايدي الزبائن، لكن ذلك يكون على حساب فاعلية الكلور وقدرته على التنظيف.
وتقول المواطنة ام امير: «نشتري في الكثير من الاحيان غالونات من الكلور ونجد ان فاعليتها ضعيفة، في حين ان بعض المنتجات تترك آثارا على الايدي مثل الاحمرار في الجلد، وقد يكون هذا ناتجا عن طبيعة التركيز العالي في الكلور»، موضحة ان تباين قوة وتأثير الكلور وبعض سوائل الجلي دفعها لاختيار منتجات محلية ثابتة والحرص على عدم تغيير النوعية مهما كان سعرها اقل.
وقالت ام امير: «للاسف هناك بعض المواطنين الذين يفضلون الاسعار الرخيصة دون النظر للجودة والفاعلية وهذا بكل تأكيد يؤثر عليهم وعلى صحتهم، خاصة ان هناك مواد تنظيف يتم انتاجها او تهريبها او يتم تزييفها تحمل في مكوناتها مخاطر كبيرة»، مؤكدة اهمية الافصاح عن المواصفات لمثل هذه المواد للجمهور الفلسطيني وتوعيته بمعنى هذه المواصفات وشروط التقيد بها.
ويصل سعر غالون الكلور حجم «4 لترات» بين 5 و8 شواقل في حين ان سائل الجلي يتراوح سعره حسب النوع وجهة التصنيع بين 10 و12 شيقلا، ولا ينقطع الاقبال على شراء مواد التنظيف بمختلف انواعها بسبب حاجة المواطنين لمثل هذه المواد في الحفاظ على النظافة المنزلية.
ووفقا لما اشار اليه بلال ابو الرب، وهو مسؤول في هيئة المواصفات والمقاييس، فان الهيئة وضعت مواصفات ومقاييس لاغلب مواد التنظيف بما في ذلك الكلور وسائل الجلي، لكن عند الحديث عن التعليمات الفنية الالزامية لهذه المواصفات فانه قال: «العمل كان جاريا لاقرارها ولا اعلم لغاية الان اذا تم اقرارها ام لا».
وشدد ابو الرب على حرص هيئة المواصفات والمقاييس على بذل المزيد من الجهود من اجل اقرار مواصفات لكل السلع والمواد في الاسواق الفلسطينية بما يساعد الجهات الرقابية على تنفيذ اجراءات الرقابة والتفتيش على هذه المواد ومدى التزام التجار واصحاب الشركات بالمواصفة الفلسطينية المعتمدة.
في المقابل، فان وزير الاقتصاد الوطني الاسبق د.حسن ابو لبدة، اكد لـ«حياة وسوق»، وجود اشكاليات خطيرة فيما يخص المواصفات والمقاييس الفلسطينية حينما اشار الى ان هناك ما يقارب 2000 سلعة من اصل 8000 سلعة تباع في اسواقنا المحلية دون وجود مواصفة لها، دون الاشارة الى التعليمات الفنية الالزامية لهذه المواصفات.
وتشتكي طواقم التفتيش والقائمون عليها في وزارة الاقتصاد الوطني من غياب التعليمات الفنية التي تعرقل اجراءات الرقابة والتفتيش خاصة على مواد التنظيف بمختلف انواعها اضافة الى العطور ومعطرات الجو وغيرها من الاصناف، مؤكدين ان غياب التعليمات الفنية او غياب المواصفة عن بعض المواد يساهم في افشال اية اجراءات قانونية يمكن اتخاذها بحق التجار او اصحاب الشركات المخالفة.
وتأخذ دائرة حماية المستهلك على عاتقها القيام بالرقابة والتفتيش لمنع الغش والتدليس التجاري، وتبادر للتحقيق والبحث والتحليل للتحقق من سلامة السلع وأمان استخدامها واخضاعها للفحص المخبري، والبحث عن التجاوزات التجارية بالقرصنة والتزوير، والاهتمام بمدى مطابقة السلع المتواجدة والواردة الى الاسواق للمواصفات الفلسطينية والتعليمات الفنية الالزامية ذات العلاقة والتحليل للنتائج ورفع التوصيات للجهات ذات العلاقة لاتخاذ التدابير اللازمة.
الا ان السؤال الابرز: كيف لدائرة حماية المستهلك وطواقمها القيام بذلك دون وجود مواصفات او تعليمات فنية الزامية لتطبيق هذه المواصفات؟ ما يعني ان كل سلعة او مادة تباع وتشترى في السوق المحلية دون وجود مواصفة معتمدة ستكون خارج اطار الاجراءات الرقابية من قبل هذه الدائرة وطواقمها الرقابية والتفتيشية. 
وقال احد المسؤولين في طواقم الرقابة والتفتيش لـ«حياة وسوق»: حدث معنا اكثر من مرة ان قمنا بسحب عينات من مادة الكلور للتعرف على نسبة تركيز الكلور فيها فوجدنا ان النسب مغايرة للمواصفات لكن ما منعنا من اتخاذ الاجراءات القانونية بحق المخالف هو عدم وجود تعليمات فنية للمواصفة، مؤكدا ان من بين المهام التي تقوم بها هذه الطواقم تنفيذ زيارات دورية مفاجئة للمنشآت التجارية والمستوردين ومحلات العرض وسحب عينات من المواد والسلع لإخضاعها للفحص المخبري للتأكد من مدى المطابقة للمواصفات القياسية الفلسطينية المعتمدة واللوائح الفنية. 
وينتقد رئيس جمعية حماية المستهلك، صلاح هنية، عملية التأخر في اقرار التعليمات الفنية الالزامية للعديد من السلع والمنتجات سواء المستوردة او المنتجة محليا، موضحا ان غياب هذه التعليمات يجعل من وجود أية مواصفة على السلع امرا شكليا كونها غير الزامية للتجار او المنتجين، موضحا ان الجمعية طالبت منذ اكثر من 3 سنوات بضرورة العمل من اجل اقرار هذه التعليمات الفنية للسلع والمنتجات لكن لغاية الان الامر ما زال عالقا دون احداث تقدم حقيقي في هذا المجال.
وقال هنيه: «غياب التعليمات الفنية الالزامية نقطة في غاية الاهمية وعدم وجودها تشريع لعمليات الغش والخداع للمستهلكين او الاضرار بصحتهم»، موضحا انه قبل عدة سنوات تم الكشف عن وجود بعض الالبسة المستوردة تحوي مواد كيماوية اشعاعية والسبب في ذلك ان تلك الملابس دخلت دون وجود تعليمات فنية الزامية للمواصفات الفلسطينية.
واضاف: «المفارقة تكمن في انه يمكن وضع المواصفة على السلعة لكن حينما نقوم بمراجعة التاجر او صاحب الشركة فانه يجاهر علانية بان هذه المواصفة غير ملزمة لغياب التعليمات الفنية».
وتابع: «غياب المعايير الفنية للمواصفات نقطة ضعف قوية يجب معالجتها باسرع وقت، خاصة عندما يتعلق الامر بمواد غذائية او مواد كيماوية باعتبار ان هذه المواد يكون لها تأثيراتها المباشرة على صحة المواطنين».
وكشف هنية عن عدم وجود مواصفات فلسطينية معتمدة للفواكه والخضار، موضحا ان وزارة الزراعة بادرت بمطالبة هيئة المواصفات والمقاييس بضرورة اعتماد مواصفات فلسطينية للفواكه والخضار من اجل المباشرة بتطبيقها على المنتجات المستوردة او المنتجة محليا، مشددا على عدم جواز استمرار هذا الوضع وضرورة العمل من اجل اتخاذ اجراءات عملية لاقرار التعليمات والمعايير الفنية باسرع وقت ممكن.
في المقابل، يقر مدير دائرة التوصيف في هيئة المواصفات والمقاييس، عبد اللطيف الشيخ، بان وجود المواصفات للسلع والمواد في الاسواق دون تعليمات فنية يجعلها مواصفة «اختيارية» الامر الذي يستدعي من الجهات الرسمية ذات العلاقة العمل من اجل اتخاذ قرارات مباشرة باهمية اعتماد التعليمات الفنية الالزامية ما يغلق الباب امام التجار او المنتجين او الموردين ومنعهم من التملص من المواصفة بذريعة عدم وجود تعليمات فنية.
وقال الشيخ: «انتم تثيرون قضية بالغة الاهمية والحساسية لكن البت النهائي في هذا الامر يتطلب اتخاذه من الجهات العليا في الوزارات والمؤسسات الرسمية ذات العلاقة».
ويتضح من مجمل التصريحات والمعلومات التي جمعتها «حياة وسوق» حول هذا الموضوع، ان القرار باصدار التعليمات الفنية يجب اتخاذه من الوزراء في المؤسسات ذات العلاقة عبر اصدار قرارات الزامية بالمواصفة الفلسطينية، ما يفتح المجال لطرح التساؤل المشروع: لماذا لم يتخذ الوزراء كل حسب وزارته قرارات حاسمة باعتماد المواصفة الفلسطينية واصدار التعليمات الفنية الالزامية لهذه المواصفة؟!.
وقال الشيخ: «نحن نضع المواصفة وفق معايير وشروط رئيسية تراعي المحافظة على صحة المواطن وسلامته والبيئة، وهيئة المواصفات والمقاييس وفرت المواصفات للمواد الكيماوية وتكاد تكون شبه جاهزة»، لكنه عاد واضاف: «يمكن ان يكون هناك نقص في التعليمات الفنية لكن هذا الامر من صلاحية الوزارات».
وتدخل ابو الرب، وقال: «على سبيل المثال كان هناك مواصفة لها علاقة بالبيئة فقام رئيس سلطة جودة البيئة حينها باصدار تعليمات حسب قانون البيئة ادت الى ان تصبح المواصفة ملزمة»، مشيرا الى ان مثل هذا الدور للوزراء يمكن ان يساعد في حماية المواصفة الفلسطينية ومنحها صفة الالزام بقرارات وتعليمات من الوزير في الوزارة ذات العلاقة.
وحسب الشيخ فان هناك 3200 مواصفة معتمدة ومقرة من قبل هيئة المواصفات والمقاييس لكن فيما يخص التعليمات الفنية الالزامية لهذه المواصفات فان الموقع الالكتروني للهيئة يشير الى وجود 31 من التعليمات الفنية الالزامية ما يظهر حجم الفجوة الكبيرة ما بين وجود المواصفة وبين اقرار التعليمات الفنية لهذه المواصفات الخاصة بالسلع والمواد الغذائية.