الرئيسية » الاخبار »   15 تموز 2012  طباعة الصفحة

صعود الدولار: عبء إضافي يستبق شهر رمضان

 

 

كتب جعفر صدقة:
بالنسبة لماجد أحمد، فان الارتفاع الحاد، الذي شهده سعر الدولار مقابل الشيكل في الأشهر الأخيرة، يشكل كابوساً، يؤرق أيضاً عشرات آلاف الموظفين والعمال الذين يتقاضون رواتبهم بالعملة الإسرائيلية، ويضطرون لتسديد التزامات بالدولار أو الدينار.
في الأراضي الفلسطينية، وبموجب اتفاق "أوسلو" وملحقاته الاقتصادية، التداول يجري رسمياً بثلاث عملات: الشيكل للمعاملات اليومية من بيع وشراء، ودفع رواتب الغالبية العظمى من المستخدمين، أما الدولار الأميركي، والدينار الأردني المرتبط به، فيستخدمان للعقود العقارية، بيعا وايجاراً، وبقية الالتزامات الشهرية والدورية، إضافة الى الاستثمار سواء المباشر او بالأوراق المالية.
المعادلة ببساطة، أي ارتفاع في سعر الدولار يعني زيادة فورية ومباشرة في الالتزامات المقومة بالدولار او الدينار، كأجرة السكن وأقساط القروض وغيرها من الالتزامات الشهرية.
موجة الصعود في سعر الدولار بدأت في أول أيار من العام 2011، وحتى 13 تموز الجاري ارتفع الدولار مقابل الشيكل بنسبة 18% (من 377ر3 شيكل الى 986ر3 شيكل)، منها 3ر6% خلال آخر شهرين فقط، الآمر الذي الحق ضررا كبيرا بقطاع واسع من المواطنين، ممن يسكنون بالأجرة او يسددون قروضا للبنوك، وكذا من لهم أبناء في الجامعات، والمستهلكين بشكل عام، نظراً لارتفاع كلفة الاستيراد، وخصوصاً للمواد الأساسية كالأرز والسكر والقمح والزيوت، وجميعها تستورد من الخارج وتدفع أثمانها بالعملة الصعبة، وبالتالي فان المتضررين، اساساً، هم بالضبط ذوو الدخول المحدودة والمتدنية. اي الفقراء.
في حين ان الأثرياء ممن يملكون مدخرات، وهي في العادة بالدولار او الدينار، سواء على شكل ودائع نقدية في البنوك او استثمارات بالاسهم والاوراق المالية، واصحاب ومطوري العقارات، ومن يتقاضون رواتبهم بالدولار كموظفي المؤسسات غير الحكومية، الدولية والمحلية، هم الرابح الاكبر من ارتفاع الدولار.
في العادة، يستبق المواطنون شهر رمضان بإعادة ترتيب أوضاعهم المالية لمواجهة التزاماته الضخمة، ففيه يزيد الاستهلاك، وترتفع الأسعار، وكثير منهم يلجأ إلى أعمال موسمية في مسعى لزيادة الدخل، واقتطاع نفقات من بنود اخرى، بما فيها نفقات العلاج، وتأجيل لأقساط قروض، ومع ذلك يخرجون من "شهر الرحمة" والأعياد محطمين مالياً، ليبدأوا جولة جديدة من مساعي تدبير الحال استعداداً للسنة الدراسية الجديدة. وفي هذا العام جاء ارتفاع الدولار ليقتطع من الدخل المتاح مئات الشواكل، عبئا يضاف الى الأعباء المعتادة لرمضان.
ماجد احمد لديه أسرة من 8 أفراد، وهو يعتبر محظوظاً، اذ يعمل في شركة خاصة وزوجته موظفة حكومية ومجموع دخلهما 9 آلاف شيكل، وهو دخل جيد جداً قياساً بالمعدل العام للأجور في البلاد، لكن بحسبة بسيطة، فان ارتفاع الدولار دفع أسرته لتلامس خط الفقر.
وتتوزع التزامات ماجد بين 200 دينار اردني شهرياً أجرة منزل، و2000 دينار سنوياً أقساط جامعة، و1300 دينار اردني سنوياً أقساط مدارس، و900 دولار قسط قرض لاحد البنوك، بمجموع 1570 دولارا شهريا، كان يحتاج لسدادها في شهر أيار 2011 حوالي 5301 شيكل، ارتفعت الآن الى 6258 شيكلا، ما يعني ان دخله خسر 957 شيكلاً، ويبقي لنفقات الاسرة 2742 شيكل (688 دولارا) بمعدل 86ر2 دولار للفرد في اليوم، علماً ان خط الفقر في الأراضي الفلسطينية، وفقا لمعايير البنك الدولي المثيرة للجدل، هو دولاران للفرد في اليوم.
في الأعوام الثلاثة الأخيرة، بذلت البنوك جهدا كبيرا للتخلص من السيولة الفائضة لديها، عبر زيادة الإقراض، فارتفع صافي التسهيلات بنسبة 5ر106% من 5ر1720 مليون دولار في نهاية العام 2008 الى 6ر3552 مليون دولار في نهاية العام 2011، منها 1100 مليون دولار للسلطة الوطنية ومؤسسات عامة، والباقي (8ر2451 مليون دولار) للقطاع الخاص، جزء كبير منها قروض فردية (شخصية، وسكن، وسيارات .. الخ)، ما يعني ان خسارة جزء من الدخل جراء ارتفاع الدولار طالت الغالبية العظمى من الموظفين، علما ان نحو 80% من موظفي السلطة الوطنية حاصلون على قروض من البنوك، إضافة الى المقترضين من موظفي القطاع الخاص، عدد كبير منهم لديهم التزامات اخرى، كأجرة سكن وخلافه، تعمق خسارتهم.
وبرأي د. سمير عبد الله، مدير معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني "ماس"، ان "الخسارة تكون مضاعفة اذا ترافق ارتفاع سعر الدولار مع انخفاض القيمة الشرائية للشيكل. عندها يكون مطلوباً من المواطن دفع زيادة للوفاء بالتزاماته المقومة بالدولار والدينار، وايضا زيادة في أسعار السلع، اما اذا بقيت القيمة الشرائية للشيكل كما هي، او زادت فان الضرر يكون اقل".
بالمقابل، قال عبد الله، ان من يتقاضى دخلا بالدولار، فانه يستفيد من ارتفاع سعر صرف العملة الأميركية، الا اذا رافق هذا الارتفاع انخفاض في القيمة الشرائية للدولار.
وأضاف: باختصار، فان من كسب من انخفاض الدولار سابقاً فانه يدفع ثمن ذلك اليوم، والعكس صحيح.
تجارياً، قال عبد الله ان ارتفاع الدولار يفترض ان يؤدي الى دعم الصادرات الفلسطينية، لكن نظراً لهامشية هذه الصادرات، فان الفائدة ستكون قليلة في هذا الجانب، والخسارة اكبر كون الواردات من الخارج اكبر بكثير".
وأضاف: صحيح ان معظم وارداتنا من إسرائيل ولن تتأثر لأننا ندفع ثمنها بالشيكل، لكن هناك واردات من الخارج تسدد اثمانها بالدولار، ومنها سلع اساسية كالقمح والأرز والسكر، إضافة إلى سلع كمالية كالسيارات، ومع ارتفاع الدولار من المتوقع ان ترتفع كلفة استيرادها".
وبرأي عبد الله، فان التأثر الفوري والشديد للمواطن الفلسطيني بأسعار الصرف مرده وجود ثلاث عملات متداولة بشكل رسمي، ليس من بينها عملة وطنية تعطي السلطة الوطنية أداة للتحكم في السياسة النقدية.
على صعيد الحكومة، فان جميع إيراداتها المحلية، سواء من المقاصة او الجباية المباشرة، هي بالشيكل، كما ان الغالبية العظمى من مدفوعاتها، سواء الرواتب او مدفوعاتها لموردي السلع والخدمات، هي بالشيكل، باستثناء مدفوعات قليلة بالدولار، "لذا تأثرها بأسعار الصرف محدود، واية خسارة قد تنتج عن ارتفاع الدولار تعوضها بارتفاع قيمة المساعدات الخارجية التي يأتي معظمها بالدولار".
ويرى عبد الله ان مشكلة سعر الصرف، على أهميتها، فإنها تعتبر هامشية بالنسبة للسلطة، في ظل الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها، حيث لا تتوفر مساعدات كافية لتغطية العجز، ما أعجزها عن الوفاء بالتزاماتها تجاه الموظفين والموردين.
وفي ظل غياب اداة التحكم بالسياسة النقدية (العملة الوطنية)، وانشغال السلطة بازمتها المالية، فان الهوامش محدودة لاتخاذ اجراءات للحد من تأثير سعر الصرف الذي يستنزف قدرة المواطنين الشرائية.
وقال عبد الله: قدرتنا على الحد من التأثيرات السلبية لتذبذب سعر الصرف قليلة، وما يمكن عمله توحيد العملة للدخل والالتزامات، كأن تصبح جميعها بالشيكل.
كذلك، قال عبد الله، مطلوب من الحكومة تشديد الرقابة لمنع استغلال المستوردين ارتفاع الدولار لرفع الأسعار بصورة غير منطقية، وتحميل جزء من هذا العبء الى هوامش الربح بدلا من تحميله كاملا للمواطنين.