الرئيسية » الاخبار »   16 شباط 2024  طباعة الصفحة

الطريق هو الطريق الدكتور علي الدين هلال

عنوان هذا المقال ليس من عندي، وإنما استعرته من عنوان لكتاب من تأليف د. أحمد راغب خبير التدريب والتطوير الإداري، والذى يتناول فيه أهمية تطوير منظومة إدارة الطرق كضرورة تنموية وحضارية، وذلك سواء بالنسبة للطرق فى داخل المدن أو التى تربط المدن ببعضها البعض.

 

 

ولأول وهلة، يبدو وكأن الموضوع لا يحتاج إلى شرح أو تفصيل، وذلك لأن الإنسان يأخذ انطباعه الأول عن أى مدينة يزورها من شكل الطرق التى يمر بها وطريقة تنظيمها، ولأن الطرق هى الشرايين التى توفر الحركة السريعة وانتقال الأفراد والسلع والبضائع من مكان لآخر. وتزداد أهمية هذا الموضوع فى مصر اليوم، بعد إنجاز هذه الشبكة الهائلة من الطرق والكباري، والتى تمثل بلا شك نقلة موضوعية فى البنية التحتية للاقتصاد والمجتمع، ولكن هذه الشبكة تحتاج إلى متابعة وحسن إدارة حتى تتحقق الفائدة المرجوة منها.

يقول المؤلف، إن أفكاره بشأن الطرق تولدت على مدى أكثر من 60 سنة، وبعد مشاهدته عشرات الطرق فى 56 دولة، وإنه يقدم أفكاره لتعظيم الاستفادة من التطور الهائل الذى حدث فى شبكة الطرق المصرية، والتى يصفها بأنها ثورة إعمار غير مسبوقة فى تاريخ مصر. وبالنسبة للمؤلف، فإن الطريق ليس مجرد ممر للسيارات أو معبر للمشاة، وإنما يمثل أسلوب حياة متكاملة، فشكل الطريق وتنظيمه وطريقة إدارته هو تعبير عن مدى تقدم المجتمع وارتقائه.

يسجل الكتاب حالة الفوضى القائمة فى الطرق المصرية، ويعرض لأسبابها التى تتمثل في: نمو عدد السكان، وزيادة عدد السيارات والمركبات، وهدم الفيلات والعمارات الصغيرة لتحل محلها أبنية شاهقة الارتفاع، وعدم توافر الجراجات وأماكن انتظار السيارات، وعدم الالتزام بالقانون والسلوك غير المنضبط للمشاة وقائدى المركبات. ومن مظاهر هذه الفوضى أيضًا، وضع البالوعات التى ترتفع أحيانا على مستوى الشارع أو تنخفض عنه، وأحيانًا تكون فى وسط الطريق وليس على جانبه، وأحياناً أُخرى لا يكون غطاؤها موجودًا أصلا مما يتسبب فى حوادث إنسانية مروعة. وهناك فوضى المطبات الصناعية التى يتطوع بعض أصحاب المنازل والمحلات بإقامتها وبدون الحصول على الموافقة من أى جهة، ودون الالتزام بالمواصفات الهندسية السليمة، مما يتسبب فى الإضرار بالسيارات. أما العناية بالطريق وتطويره، فإنه وفقًا لرأى المؤلف، يتضمن نقاطا عديدة، تبدأ بحسن التخطيط، وتحديد حارات المرور وأماكن عبور المشاة وانتظار السيارات، ووجود الإشارات واللافتات المضيئة بشكل مناسب والتى تبين اتجاهات الطريق. ولم يعد تنفيذ كل ما تقدم محل اجتهاد شخصي. وينبه المؤلف إلى أن تنفيذ ما تقدم لا ينبغى أن يكون محلًا لاجتهادات شخصية من هذا المسئول أو ذاك وإنما طبقًا لمواصفات قياسية دولية. كما تتطلب سلامة الطريق، التأكد من السلامة الفنية للمركبات التى تستخدمه ومدى التزامها بالقواعد التى تضمن حياة راكبيها والمارة. والتزامها، بقواعد السير والسرعة والتوقف والانتظار، وقيام الأجهزة المسئولة بتطبيق القانون بكل جدية وحسم وعلى الجميع. ويتطلب التطوير أيضا الاهتمام بجانبى الطريق، واشغالات الأرصفة، وتوافر دورات المياه العامة، والحفاظ على نظافة المساحات أسفل الكباري. وكذلك، المظهر العام للمبانى والمحلات المُطلة على الطريق، ويشمل ذلك ألوانها وأشكالها الهندسية ومدى التزام ساكنيها بالتصميم المعمارى التى أنشئت وفقا له، وعدم قيام شاغليها بتشويهها بإدخال تغييرات غير مصرح بها.

ودرج المؤلف من حين لآخر إلى تلخيص أفكاره فى عبارات جذابة موجزة، كان منها:

> سلوك المواطنين فى الطرق مجرد انعكاس لمدى جدية الدولة فى تطبيق القانون.

> الذى يعارض تغليظ عقوبات مخالفة المرور إنما يدافع عن الجانى على حساب المجنى عليه.

> الحواجز دليل على العجز قبل أن تكون سبيلا للحجز.

> تنفق الدولة المليارات على إنشاء طرق جديدة، ومن المهم إنفاق بضعة ملايين لإرشاد السائقين فى هذه الطرق.

> إنشاء مطب صناعى دون تلوينه ووجود لافته تدل عليه قبل موقعه جريمة رسمية مع سبق الإصرار.

> إذا كان التجاوز عن الخطأ فى حق الدولة خطأ فإن التجاوز عن الخطأ من جانب الدولة خطأ أيضا.

> السير بسرعة أعلى من المعدل داخل المناطق السكنية يجب التعامل معه على أنه شروع فى قتل.

> إذا كان الطريق حيويًا للسيارات، فالرصيف للمشاة حياة.

> لا بد للدولة أن تتعامل مع عشوائيات الرصيف بنفس الكفاءة والفاعلية التى تعاملت بها مع عشوائيات البناء، إن لم يكن أشد.

> الطريق إلى استعادة هيبة الدولة وتفعيل دورها هو استعادة السيطرة على الطريق.

> الحسم والعدالة فى تطبيق القانون هما أسرع وأسهل وأرخص وسيلة للتقدم.

قام المؤلف بتقديم عشرات الأمثلة عن مشكلات الطرق المصرية، وعرض لحلولها، وقدم اقتراحات محددة فى هذا الشأن. وعمومًا، فإن الكتاب يشير إلى ثلاثة توجهات: الأول، ضرورة تغيير طريقة تفكير المسئولين عن إدارة المدن والأحياء، وإدراكهم بالأبعاد المتنوعة لإدارة الطريق، وتعريفهم بما هو جديد فى هذا المجال وتمكينهم من تنفيذ القوانين المُنظِمة لاستخدام الطُرق. والثاني، التوسُع فى استخدام أدوات التكنولوجيا المُتقدمة من أجهزة رادار وغيرها فى مُراقبة الطريق ورصد المُخالفين. والثالث، إصدار تشريعات جديدة توقع أشد عقوبات على المخالفين فى بعض الحالات كالقيادة السريعة المتهورة أو السير فى عكس الاتجاه، مما يعرض حياة الناس للهلاك، وأن تصل هذه العقوبات إلى حد إعادة النظر فى صلاحية الشخص للقيادة كما هو موجود فى كثير من دول العالم.

الخلاصة، أنه مع التطور العمرانى الهائل فى مصر اليوم، فإنه من الضرورى تحديث وتطوير نظم إدارة الطرق كجزء أساسى من إدارة المدن.