الرئيسية » الاخبار »   01 شباط 2024  طباعة الصفحة

أهدأ يا ضياء بقلم جاد كنعان الطويل*

مازحني ابني  ضياء  محاولا تلطيف الجو وهو يقف بجانبي على شباك صيدلية مديرية  الصحة في مدينة البيرة  ،وبعد ان أخبرتنا الصيدلانيّة مثل ما اخبرنا قبلها بدقائق  طبيب  عيادة المديرية بعدم توفر  أحد. الأدوية  المهمة والخاصة بي والتي اخذها تجنبا  لمضاعفات   ما بعد عملية زراعة الكبد والتي اجريت لي .   وبعد  ان اكد لنا  اكثر من موظف في المديرية نفس الشيء  حين  سألناهم متى  ستوفر وزارة الصحة  لي ولغيري من زارعي  الأعضاء هذه الأدوية المهمة.

 

وجه ابني ضياء  حديثه لي  على مسمع موظفي الصيدلية بسخرية واضحة  وبلهجة ممزوجة  بفكاهة قائلا :عالاقل  توفر وزارة الصحة اليوم الاكياس البلاستيكية الفارغة عالكاونتر لاستخدام الجمهور،.وخاصة أنني  كنت قد ارجعت ضياء للبيت بعد صعودي للسيارة ليحضر  كيسا   من البيت  لحمل  الأدوية التي اخذها   من الصيدلية ولعدم توفر الأكياس في العاده بانتظام  حيث اعتدتنا ان نحضر الكيس معنا.

 

أداوم منذ  سبعة عشر عام على أخذ ثمانية أصناف  من الأدوية بما مجموعه  خمسة عشر حبة دواء .يوميا صباح مساء ،ويجب علي  أن أحافظ  والتزم بأخذ هذه الأدوية الضرورية وبهذا الروتين كل يوم منذ ان اجريت لي عملية زراعة كبد للمحافظة على حياتي .

 

أخذت  حتى الان و بحسبة بسيطة ما يقارب المئة  ألف حبة دواء ، وتوفر لي وزارة الصحة الفلسطينية منها شهريا  ثلاثة أنواع  اما  الخمسة أصناف الأخرى فاعمل جاهدا  كل شهر على توفيرها اماً من السوق المحلي او من خارج البلاد لعدم توفيرها في صيدلية الصحة.

 

أدرك أنني  لست وحيدا من يعاني من نقص توفر الادوية او عدم انتظام توفرها من قبل وزارة الصحة،   فهناك عشرات الآلاف  او مئات الآلاف من المواطنين ممن يعتمد على السلطة الوطنية الفلسطينية او بالأحرى على  وزارة الصحة الفلسطينية  في نظامها الصحي وفي الحصول على بعض من أدويتها.  

 

لا يخفى عن المتابع  وخاصة عن قرب  أن نقص  او عدم توفر الادوية في صبدليات ومستودعات وزارة الصحة هي حقيقة  وواقع وحديث الشارع  الفلسطيني ، فالكثير منا  يمر بتجارب اونقرأ اونستمع  اونشاهد قصص تروى في الموضوع  ومن كافة المحافظات ، و تتسرب الينا تصريحات  جريئة وخجولة  من  داخل اروقة الوزارة والمديريات المختلفة للصحة عن هذه المشكلة التاريخية المتجدده ، وايضا يؤكد  لنا هذا الأمر  ممثلي شركات وموردي الادوية  .  

 

حان الوقت  ان  يمتنع   المواطن و المسؤول الفلسطيني ويضع جانبا استخدام  شماعة الاحتلال اوالحرب الحالية  او أموال   المقاصة او  مصاريف الوزارة  الباهظة والثقيلة والتي تسبب عبئا على ميزانية  السلطة   او تفاقم   مديونية  والفواتير المستحقة للشركات الموردة بمليارات الشواكل كسبب لهذه  الاشكاليات والمعاناة في توفر الادوية او الرعاية الصحية المناسبة للمواطن الفلسطيني .

 

يدرك الكثير من المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني ولا ينكر. احد أننا مررنا  في فلسطين بأزمات  مشابهه في السابق  ومرت علينا فترات كثيرة من انقطاع او شح  في الادوية وعدم توفرها  بانتظام وامتدت الازمة لأسابيع وأشهر  طويلة في العقدين الماضين ، وكان  يتم ايجاد بعض الحلول الانية  وبمبادرات مشكورة ،ولكن يجب ان نتعلم من الماضي والحاضر وان نغير الأمور وتكن خططنا والحلول  استباقية ولها ديمومة   . 

 

ان تجربتي الشخصية  الصحية والطبية  ليست   وحيدة وليست الدافع   الوحيد لاهتمامي بل ان انخراطي في العمل التطوعي و المجتمعي المدني وفي القطاع الصحي وعملي الوظيفي   يزيد من  اطلاعي وتعمق   ادراكي واهتمامي باحتياجات المرضى كافةومعاناتهم في فلسطين

 

يجب ان لا يعطي أي مواطن  او مسؤل  او هيئة .عذرا    لاي تقصير  وان   نقبل  التنازل عن حقنا وحق غيرنا  في توفر الادوبة. .

 

لن اسمح  لنفسي او ان يعتبرني  البعض دبلوماسيا اكثر

من اللازم او حتى   ان  اكون سلسا في طرح الأمور  والتعامل مع القائمين على الأمر  ، فأنا لا التمس الأعذار في الموضوع انساني ومهني   ولا يعفي  صناع القرار من السياسين او من اصحاب المناصب العليا  في وزارة الصحة او وزارة المالية او رئاسة الوزراء   بشكل مباشر او بشكل غير مباشر من مسؤلياتها ، وإن يعتبر البعض أن الأسلوب غير الشرس او  الالحاح  الشديد  ، فأنا في الوقت  نفسه لا اقبل التبرير  في هذا النقص او غياب الادوية  لان صحة وحياة وراحة وحق أي مواطن بالصحة تبقى فوق أي اعتبار.

 

من يتابع عن قرب  يشعر  بمعاناة المرضى وخاصة من يعانون من الأمراض المزمنة،ويدرك ليس فقط بأهمية توفر الادوية  لهم وبل بضرورة  حصول هؤلاء على الكميات حسب  المطلوب من الجرعات والموصوفة لهم، ومدى خطورة عدم  توفر الادوية لهم وعلى صحتهم وحياتهم ،ومن منطلق الحق بالصحة  ايضا الذي أقرته  المواثيق الإنسانية والقوانين المحلية والعالمية و يجب توفير الادوية لهم .

 

بينما غالبية المرضى وأولياء امورهم وأقاربهم غارقين في المعاناة والألم وتوفير متطلبات الحياة المعيشية الأخرى  فإن الخطر يهدد حياة هؤلاء المرضى،و نجد للأسف  في المقابل أن تظلمات هذه الغالبية من المواطنين  لا تجد اذان صاغية   وليست على سلم الأولويات لصناع القرار او حتى العاملين في الصفوف الأمامية ،ولا تلبى  احتياجات المرضى بطريقة  ممنهجة وهم غير  قادرين بالحصول على اساسيات علاجهم ولا  توجدحلول  جماعية ومستدامة  في الأفق .  

 

   إذ اكتب هذه الخواطر  فكلي أمل أن هناك من يلتقط مضمونها ويهتم  بالامر ويتابع الأمر لايجاد حلول جذرية .   يوجد هناك من  يستطيع من صناع القرار  في السلطة الوطنية الفلسطينية  من اعلى الهرم  حتى ادناه اومن اصحاب الشأن في المجال الطبي ،وحتى في مؤسسات المجتمع المدني  والتي لها علاقة بالقطاع الصحي ان يضع الامر في الواجهة  والنهوض ويعمل على ايجاد الحلول المستدامة  للتعامل مع الواقع الحالي للأوضاع.   

 

أصبحت اليومً  الحاجة ماسة واولوية  الأولويات   بالتعامل الجدي مع الحاضر المؤلم   والاستعدادللمستقبل المجهول ،والاهتمام بالنظام الصحي وحياة  المواطن  الفلسطيني ووضع النقاط على الحروف  ، والاستفادة من التجارب والمعاناة  وتوفير الاحتياجات الفردية ولكافّة المواطنين، ليس في  أثناء حالات السلم  بل استعداداً لأي حرب ولاي من الكوارث  الطبيعية.

 

  حان الأوان ان توضع الخطط الاستراتيجة والاستعداد  لتوفير للمواطن كل  ما يلزمه في القطاع الصحي خاصة وبعد ما راينا من انهيار للنظام الصحي في قطاع غزة ،وعدم تمكن ادخال الادوية والمستلزمات الطبية  او الوصول للرعاية الطبية والصحية  ، فهذا درس قاسي لنا جميعا أفراد ومؤسسات   ينذرنا بضرورة الإستعداد للاسوا لا سمح الله ولما قد يحدث في أي وقت وفي اي من  المناطق الفلسطينية في المستقبل ..

 

توفير  الرعاية الصحية الشمولية  وتوفير الادوية  .هي قضية عامة ويجب ان تصبح قضية رأي عام  فهي  ليست قضية جاد شخصيا او فلان او علان  من المرضى او قضية مرضى هيموفيليا او ثلاسيميا او سكري او تصلب لويحي  او أي من الأمراض المزمنة او الوراثية الأخرى  او ضحايا الحوادث او الحروب  بل هي قضية  رأي عام  وتهم الكل الفلسطيني من رفح. حتى شمال جنين

 

حان الأوان  ان نتخطى حالة عدم الاهتمام وحالة اللامبالاة  ونضع الأولويات في نصابها  وتوفر الميزانيات والاحتياجات، وبعيدا عن التحجج  واستخدام شماعة الاحتلال، والحرب ، والموازنات ، وقلة الطواقم ،والمقاصة  واجراءات العطاءات،  وعدم اتباع الاجراءات اللازمة،  وتقصير الشركات الموردة ،،والإجراءات المالية والإدارية  العقيمة  او تنافر موازين القوى والتناحر الداخلي.،

 

فلتكن انسانية   ووطنية ومهنية الجميع   بوصلة وجوهر   لنا جميعا  أفراد وجهات رسمية ومؤسسات مجتمع مدني  ونسعى لتوفير الرعاية الصحية الشمولية وتوفير الادوية لابناء فلسطين حسب البروتوكولات الطبية والصحية المتبعة عالميا  وفي حالة السلم   والحرب واستعدادا للكوارث الطبيعة.

* ناشط حقوقي مجتمعي ، أحد مؤسسي الجمعية الفلسطينية لأمراض نزف الدم ( الهيموفيليا )  وعضو  اللجنة الصحية لجمعية حماية المستهلك  ..