الرئيسية » الاخبار »   29 تموز 2023  طباعة الصفحة

الثبات الثبات صلاح هنية

 

2023-07-29
 


منذ أيام الشباب كنا ننشد (أنا صامد صامد أنا صامد) ونكمل المشوار بترجمة هذا الشعار إلى واقع العمل التطوعي لتعزيز صمود الناس على الأرض بالعونة في الحصيدة وقطف الزيتون وقطف الثومة والبصل، صب أرضية باطون في طرق المخيمات الداخلية، كنا نصمد عبر قراءة الكتب وتحليلها والاتفاق أو الاختلاف، وولجنا إلى مربعات أصعب (هل توجد تنمية في ظل الاحتلال) (التنمية من أجل تعزيز الصمود)، كانت كل النشاطات الثقافية والفنية والأكاديمية والرياضية ذاهبة باتجاه تعزيز الصمود سواء (أسبوع فلسطين في جامعة بيرزيت) إلى (مهرجان التراث الشعبي في جامعة بيت لحم) إلى (مهرجان الفنون في الكلية الإبراهيمية في القدس)، كنا ننشد ونعزز الصمود.
لم نتعاط مع البلديات منذ 1976 إلا بالبعد الوطني ودورها في تعزيز الصمود والثبات عند إقالة البلديات من قبل الاحتلال لم يمر الأمر مر الكرام بل ذهب الناس صوب فرض اللجان الشعبية لملء الفراغ الذي سببه قرار الإقالة ورفض التعامل مع ضباط الاحتلال الذين استلموا البلديات، ذهب الناس طوعا صوب تنظيف الشوارع وإزالة النفايات، وكانت تلك نموذجا من نماذج الثبات والصمود التي حدثت طوعا وانسجاما مع رؤية النخب في تلك الفترة.
وعندما كانت جامعاتنا تغلق بقرار احتلالي لا ينفض الناس إلى بيوتهم بل يبقون ليقولوا إننا هنا باقون فتتحول البيوت والمؤسسات إلى قاعات محاضرات لتعويض الطلبة، ويستمر النقاش في سبل تحريك العالم ضد قرار الإغلاق فتجد من يبدع بالانجليزية وآخر بالفرنسية.
اليوم، عدنا نناقش صحة ما كنا نقوم به بعد مرور خمسين عاما، ولو قلبنا أوراقنا لوجدنا مئات الوثائق عن التنمية في ظل الاحتلال، وعن التنمية من أجل الصمود، وعن اقتصاد الاعتماد على الذات، ونماذج التعاونيات، وبتنا نريد مراجعة الأدبيات من البداية، وبتنا نريد معاملة العمل التعاوني ضمن قوالب جامدة بعد أن كنا نتمنى أن ينهض ويتسع ويوم بلغ ما بلغه بتنا نستخدم النظريات للتعاطي معه.
ونحن في خضم هذا النقاش نشهد تراجعا في الخطاب الدولي الذي بات يركز على المساواة بين الضحية والجلاد بحيث نوضع على ذات المستوى مع الاحتلال وكأننا لسنا الضحية، وتتسع دائرة هذا الخطاب في الأعياد الوطنية للدول ليكرروا ذات المصطلحات والعبارات أمام الجمهور الفلسطيني، ولكنهم لا يذهبون صوب أساس القضية وهو إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية.
ولعل الحديث والعمل على عدالة الأسعار وجودة المنتجات وسلامة الأغذية والصحة العامة ودعم المنتجات الفلسطينية وتعزيز المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر جزء من تعزيز الصمود التي يجب أن تتضمن في الخطة الوطنية للحكومة وجزء من خطة العمل الأهلي.
وفي ضوء الموجة المفتوحة للمس بمكانة الجامعات الفلسطينية التاريخية التي شكلت رافعة للعمل الوطني وتعزيز الصمود وطرح رؤى لمستقبل المجتمع الفلسطيني للنيل من سمعتها هو مضاد لتعزيز الصمود، ترى ما هي الفائدة المرجوة من الهجوم على جامعة بيرزيت تحت عنوان أنها خفضت معدلات القبول ونسينا فضل تلك الجامعة على الوطن برمته، ونسينا كيف صنعت أجيالا تلو أجيال واحتضنت الأسرى المحررين منذ العام 1976، وتواصلت مع طلبتها في الأسر والإبعاد وتحت الإقامة الجبرية لإكمال تحصيلهم العلمي، ومارست الديمقراطية والتعددية وقبول الآخر.
تعزيز الصمود والثبات مهمة وطنية واجبة الإنجاز وليست مشروع بحث قابلا للجدل والنقاش، ولن نعود إلى الوراء بل ذاهبون إلى الأمام بأن أعوامنا وأيامنا كلها نحو تعزيز الصمود والثبات والثبات والثبات.