الرئيسية » الاخبار »   08 شباط 2012  طباعة الصفحة

تداعيات قانون ضريبة الدخل رقم (8) لسنة 2011 .... اعداد: الدكتور عاطف علاونة - خبير مالي


مدخل:  

مع بداية عام 2012 اعلنت الحكومة الفلسطينية عن مجموعة من ادوات السياسة المالية الفلسطينية بهدف معالجة العجز المتوقع في موازنة عام 2012 والبالغ حوالي 1,1مليار دولار.وجائت هذة الادوات على جابني النفقات والايرادات.ويشكل قانون ضريبة الدخل رقم (8)لسنة2011 اهم هذه الادوات والذي تهدف الحكومة من تطبيقه الى رفع مساهمة ضريبة الدخل في الايرادات المحلية من6% الى 30% اي من 150 مليون دولار الى حوالي 600مليون دولار سنويا ومنذ ان اعلنت الحكومة عن هذا الاجراء توالت القطاعات الاقتصادية والاجتماعية في رفض القانون ،و كان اخر ذلك ما جاء في البيان الصادر عن مؤسسات القطاع الخاص حول السياسات المالية الاخيرة للسلطة الوطنية الفلسطينية  والذي نشر بتاريخ 19/1/2012، ان تقديم مطالعة  متكاملة حول هذا القانون تتطلب ان تتناول  المطالعة ثلاثة عناوين اساسية هي اهمية ضريبة الدخل،تطور السياسة المالية الفلسطينية التي ادت الى العجز المذكور،ومن ثم التعديلات الجديدة ،واثارها المتوقعة.

 

 

اهمية ضريبة الدخل :

 

1. تشكل الضرائب المباشرة وغير المباشرة الغالبية الساحقة من الايرادات العامة في جميع دول العالم باستثناء النفطية منها. وفي الوقت الذي تفرض فيه الضرائب غير المباشرة، بأشكالها ومسمياتها المختلفة على الاستهلاك من السلع والخدمات وبالتالي تنال من جميع المستهلكين كلا حسب استهلاكه، تفرض الضرائب المباشرة والتي تعتبر ضريبة الدخل (على الشركات والأفراد) اساس هذة الضرائب على الدخل الصافي المتحقق خلال فترة زمنية معينة.

 

2.تختلف مساهمة هذه الانواع من الضرائب في الايرادات العامة وفقا  للنظام الضريبي المعتمد ومستوى  التطور الاقتصادي وبالتالي مستوى الدخل في البلد المعني ففي الوقت التي تشكل فيه ضريبة الدخل حوالي 70% من ايرادات الدول الرأسمالية المتقدمة، تنخفض هذه النسبة مع انخفاض معدلات الدخول في الدول النامية والفقيرة لتصل الى نسبة الصفر. وفي فلسطين وحسب الاحصاءات الرسمية تشكل  ضريبة الدخل حوالي 6% فقط من مجموع الايرادات العامة.

 

3. بسبب اثارها المتعددة تعتبر الضرائب المباشرة وغير المباشرة أدوات اساسية من ادوات السياسة الاقتصادية بشكل عام والسياسية والمالية بشكل خاص، حيث يمكن استخدام هذه الادوات لتحقيق اهداف اقتصادية واجتماعية ومالية مختلفة بالاضافة الى محاولة الدولة خلق توازن بين الاثار السلبية المترتبة عن فرض الضرائب غير المباشرة واستخدام ضريبة الدخل  لخلق حالة من التوازن في العبء الضريبي الكلي الناجم عن الضرائب وصولا الى نوع من العدالة الاجتماعية المقبولة مجتمعيا.

 

4. تشكل ضريبة الدخل اداة اساسية من ادوات السياسية الاقتصادية التنموية، والاجتماعية والتمويلية. حيث تستخدم الدولة ضريبة الدخل بمكوناتها المختلفة من تحديد الدخل الخاضع للضريبة، الوعاء الضريبي، الاعفاءات، الشرائح الضريبية  وغيرها من مكونات، للوصول الى الاهداف الاقتصادية والاجتماعية والمالية المذكورة. فتقوم الدولة باعفاء بعض القطاعات الاقتصادية أو المناطق الجغرافية من ضريبة الدخل أو فرض نسبة ضريبة متدنية اذا رغبت الدولة في تشجيع وتنمية هذا القطاع أو المنطقة، كما ويمكن لها ان تقوم باعفاء عام لتشجيع الاستثمارات الجديدة كما يحصل في قانون تشجيع الاستثماربهدف استقطاب الاستثمار بشكل عام وتحقيق معدلات نمو معقولة تنعكسىفي ارتفاع فرص العمل وتحسين سوق العمل . من ناحية اخرى تستخدم ضريبة الدخل باعتبارها ضريبة شخصية تراعي الظروف الشخصية والعائلية والاجتماعية للمكلف للمساهمة في عدالة توزيع الدخل وتخفيف العبء الضريبي العالي الذي تحمله المكلف صاحب الدخل المتدني من خلال استهلاكه للسلع والخدمات ودفع جميع الضرائب المترتبه على هذه السلع والخدمات مما ادى الى تحمله عبء مالي أعلى نسبيا من صاحب الدخل المرتفع ، ويتم ذلك من خلال احتساب علاوه اجتماعية عائلية تراعي عدد افراد العائلة  وتحديد نسب ضريبية متدنية تتلائم مع اصحاب الدخل المتدني، وتحديد نسب ضريبة مرتفعه لاصحاب الدخل المرتفع تنعكس في مساهمات مالية عالية منهم لصالح الخزينة وبالتالي لصالح تمويل الخدمات الاجتماعية والصحية وغيرها والتي من المقرر توفيرها لاصحاب الدخل المتدني بشكل مجاني .

كما وتفرض ضريية الدخل وتحدًد مكوناتها المختلفة ايضا بغرض توفير ايرادات عامة لتمويل الموازنة العامة وتمكينها من تمويل تنفيذ البرامج الاقتصادية والاجتماعية والصحية وغيرها وذلك انطلاقا من مقولة أن خزينة الدولة هي جيوب رعاياها مع التاكيد على ان هذا الدور يرتفع ويتزايد في الدول الغنية  ويتدنى كلما  انخفض مستوى الدخل في الدول النامية والدول الفقيرة.

 

 

5. بما أن ضريبة الدخل هي من اهم ادوات السياسة الاقتصادية والسياسية  المالية، وبما أن لضريبة الدخل اثار ايجابية وسلبية على مختلف القطاعات الاقتصادية، يأتي فرض ضريبة الدخل نتيجة لاولويات السياسات الاقتصادية والمالية وانعكاسا لهذه البرامج الشمولية والتي تأخذ بعين الاعتبار الاثار الاقتصادية والاجتماعية الكلية،بحيث يرد ذلك في وثيقة السياسات الاقتصادية للبلد، والتي تنعكس في الموازنة العامة باعتبارها الاداة التنفيذية لبرنامج العمل الاقتصادي والاجتماعي للحكومه، والذي يعتبر ايضا انعكاسا لسياسات الحكومة الكلية . ويتم اقرارالموازنة العامة السنوية وبالتالي تحديد حجم العجز المالي المقبول على مر السنين وبشكل سلس لا يؤدي الى تذبذبات اقتصادية قوية وعالية. من مجلس النواب، ممثل دافعي الضرائب وبعد التشاور مع جميع القطاعات الاقتصادية والاخذ بملاحظاتها،وعلى ان تحدد في القانون وبشكل دقيق جميع القضايا ذات المردود والانعكاس المالي، وحصر اي تعديل فيها بمجلس النواب وليس بأية ادارة تنفيذية.   

 

السياسة المالية الفلسطينية:

6.في فلسطين وحيث ان التجربة البرلمانية حديثه وبسبب عدم توفر خبرة مالية لدى اعضاء المجلس التشريعي الاول وتجميد عمل المجلس التشريعي الثاني اعتبارا من بداية عام 2006،كانت السياسة المالية بكافة بنودها ومكوناتها تحدد خلال السنوات العشرة الماضية من قبل وزارة المالية وخطط الوزارات وقناعات وزير المالية. وكان تاثير الاطراف الاخرى بما فيها اعضاء المجلس التشريعي والفصائل السياسية  الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني بما فيها القطاع الخاص والقطاع الاكاديمي محدوده الغاية  ،كما وان هذه الجهات لم تطالب بشكل جدي بالتدخل واشراكها في صياغة السياسة المالية واختيار ادوات السياسة المالية في سنوات ما كان يعرف"بسنوات الرخاء"بالنسبة  للموازنة العامة،  وبدات هذة الفئات تطالب بشكل جدي، مستخدمة مختلف الوسائل والسبل، باشراكها في صياغة السياسةالمالية المستقبلية وتحديد ادوات السياسة المالية وتوقيت تنفيذها،بعد ان تفاقم عجز الموازنة وتعرض السلطة الوطنية الفلسطينية الى ازمة مالية عميقة انعكست في عدم قدرة  وزارة المالية على الوفاء بالالتزامتها تجاه الموظفين والموردين وتنفيذ المشاريع والبرامج المختلفة.

7.مارست السلطة الوطنية الفلسطينية خلال السنوات العشر الماضية سياسة واضحة في تشجيع وتوسيع الانفاق العام الجاري والتطويري من جهه وتخفيف العبء الضريبي من جهه اخرى،انعكست في نظام ضريبي يعتبر الافضل في المنطقة فيما يخص الاعفاءات الضريبية ومعدلات ضريبة الدخل المتد نية وتمكنت وزارة المالية من سد العجز من خلال المساعدات الدولية.و تظهر  الاحصائيات الرسمية ارتفاع فاتورة الرواتب من 640 مليون دولارعام 2002 الى حوالي 1,9مليار دولار عام 2010،وارتفاع الايرادات المحلية من 560 مليون دولار الى 1,8 مليار دولار في نفس الفترة. كما وارتفع حجم المساعدات الدولية من 471مليون دولار الى 1,2مليار دولار في الفترة نفسهاوارتفع الانفاق الجاري من مليار دولار في عام 2002الى ما يزيد عن 2,9مليار دولار عام 2012 .وارتفع العجز من 40 مليون دولار عام 2002الى حوالي 1,8 مليار دولار عام 2010،لينخفض الي حوالي مليار دولار عام 2011.

 

8.  بسبب الارتفاع المتزايد في النفقات الحكومية وبخاصة النفقات الجارية،وانحسار المساعدات الدولية خلال السنوات الثلاثة الماضية،اعلنت الحكومة رغبتها في الوصول الى الاكتفاء الذاتي ابتداء من عام 2013: حتى وان كان هذا الهدف هو هدفأ ساميأ وهو مطلب الجميع ،الا ان امكانية تحقيقية بدت منذ البداية وبالنسبة  لعدد كبير من الخبراء غير قابلة للتحقيق،وبخاصة في ظل احتلال اسرائيل للارض والبشر والموارد الطبيعية والسيطرة على ما يزيد على 60%من الارض الفلسطينية والحدود،بالاضافة الى العملية السليمة المتعثرة وتحول الاقتصاد الفلسطيني الى اقتصاد سياسي بالدرجة الاولى،بالاضافة الى الانقسام الذي فصل قطاع غزة كليا عن اقتصاد الضفة الغربية وحرم موازنة السلطة الوطنية الفلسطينية  من مئات  ملايين الدولارات تذهب الى الخزينة الاسرائيلية والتي كانت قد بلغت قبل الانقسام حوالي 500مليون دولار. مما يؤكد على الكلفة الماليةالمدمرة لعملية الانقسام.

لقد تزايدت حدة الازمة المالية في عام 2011،وبدء مرشحا بان الازمة المالية سوف تستمر في عام2012، حيث من المتوقع ان يصل حجم عجز موازنة عام 2012 حوالي 1,1مليار دولار،وبخاصة في ظل الضغوطات السياسية التي تمارسها عدد من الدول المانحة على السلطة الوطنية الفلسطينية لارغامها للعودة الى المفاوضات وقناعة الحكومة الفلسطينية بعدم القدرة على الوصول الى الاكتفاء الذاتي في ظل المعطيات المالية الحالية.  

 

قانون ضريبة الدخل رقم (2)لسنة 2011:

9.في ظل هذه الاوضاع قررت الحكومة الفلسطينية في اواخر عام 2011 وبداية عام 2012 استخدام عدد من ادوات السياسة المالية بهدف الوصول الى توازن في الموازنة العامة من خلال تقليص واضح وكبير في حجم النفقات العامة،وتحقيق وزيادة ملحوظة في الايرادات المحلية.حيث اصبح مطلوبا توفير 350مليون دولار اضافيا خلال عام 2012.

ومن ضمن هذة الاجراءات على جانب الايرادات جاء قانون ضريبة الدخل رقم (8)لسنة 2011،وتعديل عددمن الرسوم الخاصة بتسجيل الاراضي وغيرها من الاجراءات اما على جانب النفقات فقد قررت الحكومة طرح نظام التقاعد المبكر لحوالي 26 الف موظف مدني بامل تخفيض تكلفة الرواتب بحوالي 260 مليون دولار،بالاضافة الى عدد اخر من الاجراءات التقشفية المتعلقة بسفريات المسؤولين والغاء بعض الدوائر وغير ذلك من اجراءات لم تحصل على ثقة المواطنين حتى تاريخه بان تنفيذها سوف يتم  فعلا وذلك  لاسباب تتعلق بممارسات وزارة المالية في السابق في هذا المجال.

 

 

 

 

نقاط القوة:

 

10.عند تصفح النص المنشور  لقانون ضريبة الدخل الجديد رقم (8) لسنة 2011 يظهر توفر نقاط القوة  المالية التالية في القانون، مع الاشاره ان بعض هذه النقاط يمكن ان يصبح من نقاط الضعف في الحالة الفلسطينية:

1.اعتمد القانون مبدأ الجنسية بدلا من الاقامة مما وسع مفهوم المكلف ليشمل الفلسطيني اينما وجد ويشمل دخله المتحقق في الخارج ايضا اذا كان مصدر الدخل الاصلي من فلسطين، دون الاشارة الى مسألة الازدواج الضريبي او معالجتها.او كيفية التاكد من سير هذه العملية .

2. ادى اخضاع دخول جديدة الى ضريبة الدخل، مثل الدخل الناجم من العمل الزراعي،25%من ارباح الاسهم والسندات،الدخل المتحقق من فوائد العمولات وارباح الودائع 5%، و 10% من قيمة المبالغ التي تدفع على شكل جائزة او كأرباح يانصيب عينية او نقدية، مكافأة نهاية الخدمة التي تزيد عن راتب شهر كل سنة، وغير ذلك من مصادرالدخل توحي  الى توسيع القاعدة الضريبية نظريا مما يمكن ان ينعكس في ارتفاع الحصيلة المالية للقانون.

3. رفع القانون من الاعفاءات الشخصية العائلية للمكلفين اصحاب الدخل المتدني بمقدار خمس الاف شيقل، مما يمكن اعتباره نقطة اجتماعية ايجابية لصالح اصحاب الدخل المتدني.

4. رفع  عدد الشرائح الى خمسة شرائح فقط  مما يسهل من عملية الجباية وتخفيض في تكاليف الجباية ويؤدي الى رفع كفاءة الدوائر الضريبية.بالاضافة الى تحقيق نوع من العدالة من خلال فرض نسب ضريبية اعلى على اصحاب الدخل المرتفع.

5. دخول عدد كبير من المكلفين الى الشرائح العليا عند مستويات دخل يزيد عن 80الف شيكل سنويا، الامر الذي سوف ينعكس في ارتفاع الحصيلة الضريبية.

6. من المتوقع أن تؤدي هذه الاجراءات الى زيادة ملحوظة في ايرادات ضريبة الدخل وهذا ما يسعى اليه القانون ووزارة المالية.حيث يتوقع مدير عام ضريبة الدخل ارتفاعا في في حصيلة ضريبة الدخل لتشكل حوالي 30% من مجموع الايرادات المحلية اي بحوالي 600مليون دولار لعام 2012.

7. احتواء القانون على عدد من النصوص الادارية السليمة لتفعيل عمل دوائر ضريبة الدخل ورفع كفائتها المهنية.

 

 

نقاط الضعف:

 

11.  كما ذكرنا اعلاه تؤثر قوانين ضريبة الدخل بشكل ايجابي وبشكل سلبي في نفس الوقت حيث ان بعض نقاط القوة هي  في نفس الوقت نقاط ضعف بالنسبة لفئة او مجموعة اخرى، مما يعقد ويصعب من تحليل القوانين والحكم على نتائجها مسبقا. ومع ذلك ومع الاشارة الى نقاط القوة المذكورة أعلاه يمكن القول ان عددا من هذه النقاط يمكن ان يتحول الى نقاط ضعف ايضا. وبشكل عام فقد أظهر القانون نقاط الضعف التالية:

 

1. على المستوى الاجتماعي:

 

 ا.  ان اخضاع ما يزيد عن راتب شهر عن كل سنة خدمة يصرف على شكل مكافأة نهاية الخدمة والتي يحصل عليها اصحاب الدخل الثابت لا يساهم في خلق توازن اجتماعي ولا في اعادة  توزيع الدخل وبخاصة ان هذه الفئة هي الفئة الوحيدة  الملتزمة بدفع الضريبة 100% من خلال/المنبع  المصدر.

ب.  ان تدني نطاق الشرائح سوف يؤدي الى دخول عدد كبير من اصحاب الدخل الثابت الى الشريحة العليا عند مستوى متدني من الدخل الصافي حدد بحوالي 80000 شيكل وهو مبلغ لم يعد يعتبر من اصحاب الدخول العليا في فلسطين في ظل ارتفاع الاسعار التي اصبحت تضاهي الدول الاخرى. كما وان ذلك ادى الى معاملة اصحاب دخل الى 200الف شيكل بشكل يتساوى مع اصحاب دخل 200 مليون شيكل مما يعتبر تناقضا مع العدالة الاجتماعية واعادة توزيع الدخل، ناهيك عن هذه النصوص سوف لن تؤدي بشكل اكيد الى توسيع القاعدة الضريبي في ضريبة المقاصة  بل على العكس فهي يمكن ان تؤدي الى مزيد من التسرب والتهرب  من ضريبة المقاصة من قبل اصحاب العمل الحر.

ج.   صحيح بان زيادة عدد الشرائح ورفع نسب الضريبة على الشرائح الدخل العليا يساهم نظريا في تحقيق العدالة الاجتماعية،الا ان الواقع الفلسطيني يشير بان هذا الاجراءوالمتمثل في مضاعفة نسبة الضريبة على الشريحة العليا من 15%الى 30%، هو اجراء قاسي سوف يؤدي الى معاقبة الملتزمين بدفع الضريبة حتى تاريخه  من اصحاب الدخل والموظفين، والذين سوف يحصلون على دخل يزيد عن 120الف شيقل سنويا بجباية  22,5%منهم على هذا الجزء من الدخل وجباية 30%منهم على الجزء الذي سوف يزيد عن 200 الف شيقل سنويا،و سوف يتضاعف العبء الضريبي مثلا على كل من يحقق دخلا اجماليا  يزيد عن خمسة الاف دولار شهريا .كما وسوف تعاقب هذا الشرائح  صغار المساهمين ،حيث سوف يتم خصم 30%من حصتهم من ارباح الشركات المساهمة العامة قبل توزيعها ،بغض النظر عن حجم المساهمات وقيمة  عوائدها،ومعاملة حامل الالف سهم بنفس نسبة حامل المليون سهم او اكثر.وسوف لن يتاثر بهذه الشرائح والقانون الشريحة الواسعة  من المتهربين من دفع الضريبة والعاملين لحسابهم واصحاب المنشات الصغيرة والتي تقدرمساهمتهم  بمالا يقل عن 40%من الدخل  القومي .بالعكس سوف تشجعهم الشرائح المرتفعة على الاستمرار في التهرب وعد الالتزام .

 

2. على المستوى الاقتصادي:

 

يظهر مما صاحب اقرار القانون من تصريحات المسؤولين في وزارة المالية  بل وما جاء في ديباجة القانون التي ارسلت الي السيد الرئيس بأن القانون جاء لرغبة الحكومة في زيادة الايرادات الحكومية من خلال اخضاع دخول جديدة للضريبة  ومن خلال توسيع القاعدة الضريبية والتحصيل بشكل افضل،ولم يأتي القانون انعكاسا للسياسات الاقتصادية الكلية ولا حتى انعكاسا للسياسة المالية الشاملة، وانما جاء لتحقيق هدف واحد وحيد هو زيادة الايرادات العامة. ليس هذا فحسب بل وان وزارة المالية تعتقد بعدم وجود علاقة بين رفع ضريبة الدخل ومستويات الاسعار.ويمكن ان يكون هذا الاعتقاد صحيحا على المستوى الفوري وقصير الاجل،الا ان الانعكاسات الناجمة عن محاولة نقل الاطراف  للعبء الضريبي الجديد سوف تؤدي الى معركة جديدة ومتجددة ظمن احدى الاحتمالات التالية:

-  تحميل العبء الضريبي الجديد لصاحب الدخل الثابت او الموظف  والعامل وعدم تاثر  دخل الشركات وبالتالي انخفاض في الدخل القابل للانفاق و انخفاض في الاستهلاك الكلي ،مما يمكن ان يؤدي الى انخفاض في  الاسعار وفقا لمرونة دالة الطلب وما ينبع عن ذلك من سللة اجراءات اقتصادية معروفة.

-  تحميل صاحب العمل الضريبة بالكامل من خلال رفع رواتب الموظفين مما سوف ينعكس في ارتفاع تكلفة الانتاج وبالتالي ارتفاعا في الاسعار وفقا لمرونة دالة الطلب ايضا، او انخفاض في الارباح عند تعذر امكانية رفع الاسعارفي ظل تنامي تاثير النقابات العمالية ومجتمعات حماية المستهلك.

-  توزيع العبء الضريبي الجديد على العامل وصاحب العمل وذلك وفقا لقوة ونفوذ النقابات العمالية وممثلي العمال والموظفين.

وعلى كل حال فان الاجراء المتوقع عن تطبيق هذا القانون سيكون اعادة الجدل حول مسالة الحد الادنى من الاجور في ظل جو من الغلاء والبطالة وبالتالي دخول معركة شد الحبل بين اصحاب العمل والموظفين مرحلة جديدة وعلى مستوى مرتفع من الاجور،اي بين اصحاب الدخول المرتفعة واصحاب العمل وليس بين اصحاب الدخول المتدنية واصحاب العمل فقط،مما يمكن ان يؤثر على السلم والامن الاجتماعي في البلد.

 

كما وادت التغيرات الى دخول القانون في مناطق محظورة اقتصاديا وسياسيا  في هذه المرحله بالذات من جهة والى ضرورة التوافق على هذه السياسة  بشكل مسبق من جهة اخرى. وقد ورد ذلك في عدد من النقاط سوف اقوم بسرد بعضها مثل:

* اخضاع دخل القطاع الزراعي الى الضريبة في حين يعاني فيه القطاع الزراعي من انخفاض واضح في ادائه ودخله وتعرضه للهجمة الاستطانية وغيرها من الممارسات الاسرائيلية لتواجد القطاع الزراعي في منطقة ج والتي يسيطر عليها توارث الاحتلال بشكل تام  . حتى وان لم تتم جباية ضرائب من القطاع الزراعي لتدني الدخل الصافي كما تصرح  وزارة المالية  باستمرار، فأن الاثر النفسي السيء على المزارعين يكاد ان يكون غير قابل للوصف. ناهيك عن المشاكل الفنية والاجرائية والاعباء الادارية التي سوف تتحملها الدوائر الضريبية والمزارعين في متابعة تحصيل الضرائب من هذا القطاع.في ظل فرض تقديم اقرار ضريبي لكل مزارع تزيد مششترياته السنوية عن 100 الف شيقل.

* اخضاع 75% من ارباح شراءوبيع الاسهم والسندات ، مما سوف يعيق من نشاط القطاع المالي الفلسطيني في وضع هو اصل سيء للغاية.وعزوف اعداد كبيرة من الاستثمار في الاسهم الفلسطينية والتوجه لاستثمار في الخارج او/و الى خروج عدد كبير من المستثمرين الاجانب من السوق الفلسطينية كما حصل خلال الستة اسابيع الماضية ،حيث يشير ممثلواالقطاع الخاص الا ان الارتفاع الذي حصل في حجم تداول بورصة فلسطين خلال شهر كانون الاول عام 2011 يعود بالدرجة الاولى الى اقبال عدد من الصناديق الخارجية  على تصفية محافظهم الاستثمارية بسبب قانون ضريبة الدخل الجديد والتعديلات التي ادخلت علية بخصوص الشرائح،والرواتب التقاعديه وغيرها،بالاضافة الى تقلب السياسة المالية الفلسطينية وكثرة القوانين والانظمة التي تنظم ضريبة الدخل خلال السنة الماضية.

* اخضاع الفوائد المترتبة على الودائع في البنوك الفلسطينية بنسبة 5% تخصم من المصدر.مما يمكن ان يساعد المدخر الفلسطيني الذي كان يرفض ادخار امواله في الخارج،بسبب الاعفاء الضريبي المحلي،في اتخاد قرار لايداع امواله في الخارج مستفيدا من الاستقرار السياسي والامني في الخارج بالاضافة الى امكانية الحصول على عوائد افضل.

* استيفاء ضريبة على شركات التأمين بقيمة 5% من المجموع الكلي لاقساط التأمين على الحياة المستحقة للشركة والتي يمكن ان تصل الى ما يزيد عن 50% من مجموع الارباح.مما سوف ينعكس في تدني قدرة شركات التامين الفلسطينية على منافسة الشركات الاسرائيلية والشركات العالمية في هذا المجال ،حيث اعلن عدد من اصحاب شركات التامين  عن شركاتهم وقف هذا المنتوج التاميني.

* استيفاء ضريبة بنسبة 10% من قيمة المبالغ التي تدفع على شكل جوائز سواء كانت عينيه ام نقدية.مما سوف يخفض من حجم المبالغ التي تصرف من قبل الشركات على المسؤولية المجتمعية في فلسطين.

ومن المتوقع ان تكون الاثار الاقتصادية الكلية لهذه الاجراءات غير ايجابية على الاقل على مستوى الاستثمار والتنمية في فلسطين متاثرة بالعبء الضريبي الفعلي .مما سوف ينعكس في تدني نمو الناتج المحلي الاجمالي انسجاما مع نظرية المضاعف الضريبي،ومالذلك من اثار سلبية على التشغيل والدخل القومي في الامد المتوسط والطويل،والذي سوف يؤثر بدورة على حجم الحصيله الضريبية ايضا.

 

3. على المستوى التمويلي:

 

كما ذكرنا اعلاه، يأمل القائمون على القانون في تحقيق زيادة ملحوظة في عائدات ضريبة الدخل لتشكل بذالك حوالي 30%من حجم الايرادات الضريبية اي حوالي 700 مليون دولار سنويا، من خلال تطبيق هذا القانون، آخذين بعين الاعتبار التطور الذي حصل على كفاءة  عمل الدوائر الضريبة خلال السنوات الماضية.

ولكنني اعتقد بأن تحقيق هذه الزيادة غير مضمون للاسباب التالية:

1) التركيز على اصحاب الدخل الثابت والذي يتم "حلبهم" منذ 17 سنة.وعدم احتواء القانون على اجراءات لتحفيز الالتزام الضريبي وتشجيع مكلفين اخرين على الالتزام.

2) عدم قدرة الدوائر الضريبية على متابعة اصحاب المهن الحره لأسباب قانونية ولوجستية وادارية،بالاضافة الى ارتفاع تكلفة متابعة المكلفين من القطاع الزراعي وفي البنوك وشركات التامين وغيرها.

3) عدم وضع حد للتهرب الضريبي بل ان التهرب سوف يزداد في المستقبل من قبل اعداد اضافية من المكلفين وبخاصة بالنسبة لضريبة المقاصة ، ناهيك عن ان القانون اعطى مبررا لتهرب ضريبي اضافي عما هو متوفر في الوقت الحاضر.بسبب مضاعفة العبء الضريبي على عدد من فئات المجتمع.

4) امكانية تقديم التقرير الضريبي العائلي مما يخفف من العبء الضريبي النهائي وارتفاع حجم الرديات الضريبية.

5)الفجوةالمتزايدة بين المكلفين من القطاع الخاص و وزارة المالية وصلت الى حد العداء وتوجيه التهم المباشرة باقصاء الطرف الاخروالمس بالشراكة التي قامت الحكومة ببنائها منذ عدة سنوات  وعدم الاستمتاع الى اصحاب المصالح.والذي يستشف من البيان الصادر عن المجلس التنسيقي لمؤسسات القطاع الخاص في 18/1/2012

6)حتى وان ارتفعت الحصيلة الضريبية في السنة القادمة،الا ان اثار الارتفاع الضريبي السلبية سوف تؤثر على الناتج المحلي الاجمالي سلبيا خلال السنوات القادمة،حيث تؤكد نظرية مضاعف الموازنة المتوازنة  ان الناتج المحلي سوف ينخفض بمقدار الزيادة الضريبية حتى ولو انفق كامل المبلغ، من قبل الحكومة بمعنى ان الناتج المحلي سوف ينخفض على المدى الطويل بمقدار 600 مليون دولار.يتبعها انخفاضات في الحصيلة الضريبية ايضا.

 

4. على المستوى التشريعي الاجرائي:

 

ان اكثر ما يقال ضد هذا القانون انه لا يعتبر دستوريا لكونه لا يشكل حاجة ملحة بالنسبة للاقتصاد الفلسطيني، وان اصداره من السلطة التنفيذية دون اقراره من ممثل المكلفين في المجلس التشريعي يعتبر مساسا في الحقوق الدستورية للمكلفين في فلسطين. كما واحتوى القانون وحسب مفهومي القانوني المتواضع، بل ومفهوم الاغلبية العظمى من رجال القانون في فلسطين على نصوص غير دستورية  حيث منح مجلس الوزراء صلاحيات تعديل نصوص جوهرية في هذا القانون مثل الشرائح والنسب والاعفاءات، وبشكل يتعارض مع  القانون الاساسي المبدء القانوني الذي ينص على عدم شرعية اي رسوم او ضرائب لا تفرض بقانون، وبالتالي لا يجوز لأية جهة تنفيذية كمجلس الوزراء ان يقوم بإجراء تعديلات تمس جوهر ولبس القانون، وأن دور مجلس الوزراء ينحصر في التوصية بالتعديلات عند الحاجة. لان غير ذالك يعني تشريع تضارب المصالح بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية.

من ناحية اخرى فقد أعطى القانون مدير الضريبة ومأمور التقدير صلاحيات مالية وادارية وقانونية وقضائية واسعة جدا تتعارض مع ابسط النصوص القانونية. كما لم يوفر القانون حل لعشرات القضايا الخاصة بالتقدير والتحصيل والمتابعة ووضعها بدلا من ذلك في يد مأمور التقدير او مدير الضريبة ليتولى البث فيها بموجب قرار فردي.

مما قيل اعلاه اعتقد بأن قانون ضريبة الدخل رقم (8) لسنة2011 يشوبه الكثير من العيوب والتي تتطلب اعادة دراسة،توقيت واليه طرحه  في ضوء رزمة الادوات المالية الكثيرة التي ادخلت حيز التنفيذ في سنة واحدة،وكان يمكن لها ان تمر على مراحل وخلال السنوات الماضية،على ان يطرح وفقا للدستور الفلسطيني وبعد ان يمر في عملية مناقشة واثراء من قبل جميع الاطراف ذوي العلاقة.وان ما يتم تداوله والتصريح به علما بان  الحكومة لا تصغي الى نقد مات جاء من القطاع الخاص والقطاع المدني من شانه ان يوسع من الشرخ الذي حصل في ثقة المواطن والقطاع الخاص بالسياسة المالية الفلسطينية. لقد ان الاوان لاعادة تنظيم الاوراق وتمكين الجميع من المساهمة في حل هذة الازمة المالية المستعصيه التي تغرق بها السلطة الوطنية بشكل متسارع ،والتي اصبحت تهدد الاهداف السياسية والوطنية التي سعت وعملت الحكومة الفلسطينية طوال السنوات الماضية الى تحقيقها،مستفيدين من  تصريحات المسؤولين من القطاع الخاص بخصوص تفهم القطاع الخاص الفلسطيني العميق للظروف السياسية المعقدة التي تمر بها القضية الوطنية واستعداده  الدائم والمتواصل للتجند لخدمة المواطن.

 

والله من وراء القصد.