الرئيسية » الاخبار »   24 كانون الثاني 2012  طباعة الصفحة

محاولة لاشعال العقل في الحوار المالي مع الحكومة ... بقلم: صلاح هنية

 

 

 

من حق جزء من الرأي العام ومؤسساته التمثيلية أن يقول أن الحوار مع الحكومة بخصوص الإيرادات والخروج من الأزمة المالية وترشيد النفقات "فض مجالس".....
من حق جزء آخر من الرأي العام أن يعتقد أن الموضوع فيه من الجدية ما لا نستطيع أن نحكم عليها أنها كافية أم لا .....
ومن حق الأغلبية الصامتة في المجتمع الفلسطيني أن تبتهل بالدعاء أن يكتب الله التوفيق لكل هذه الجهود لعلها تفضي إلى ما فيه الخير لأننا لا نبتغي خلافاً مع وزير ولا غفير ولا صغير ولا كبير، نريد أن نعيش نحن والأجيال القادمة بخير وسلام في ظل الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس ...
من حقي شخصياً أن أواصل ممارسة عادتي المحببة ( كثرة الغلبة ) وأن انتصر لرؤية أراها صائبة ومحقة وأقبل أن يتم نقاشها وتقييمها، ومنذ بداية الأزمة المالية وقانون ضريبة الدخل المعدل وتراجع الوضع الاقتصادي المعيشي في الوطن احرص على حملي لقلم ودفتر ملاحظات لأسجل ما يطرح من أفكار للنقاش حول مجمل السياسة الاقتصادية المالية للحكومة ....
يتم التعاطي من قبل أطراف الحوار الوطني ومن خلال جلساته التمهيدية أن بنى الوزارات وهيئات السلطة الوطنية الفلسطينية تمام التمام لكن الأزمة هي مالية تتعلق في الإيرادات، ولو خرجنا من هذه الزاوية سيصبح الأمر متميزاً، ولكن الأمر ليس بهذه الوردية هناك عديد المشاكل العالقة والتي تتطلب إعادة نظر فيها من جديد وهي قائمة سواء حلت مشكلة الايرادات أم لم تحل ....
ماذا عن المناطق الصناعية وعن هيئة المدن الصناعية تحديداً؟
ماذا عن هيئة تنظيم قطاع الطاقة وسلطة الطاقة الفلسطينية، اين مشاريع توليد الكهرباء اين البحث في الطاقة البديلة اين التعرفة الموحدة للكهرباء ونظام الربط والخدمة الكهربائية والزام الشركات فيها؟
هل جرى تقييم مميز لأداء برنامج التمييز في وزارات السلطة الوطنية الفلسطينية المستهدفة في هذا البرنامج؟
ماذا عن مؤسسة المواصفات والمقاييس، والبينة التحتية للجودة؟ وأين المختبرات وأين وصل المشروع الأوروبي لدعم المؤسسة بتأسيس مختبرات؟
لماذا يعطل عمل مجلس المياه الفلسطيني الإطار المرجعي القانوني لقطاع المياه في فلسطين؟
لماذا يعطل مجلس تنظيم قطاع الاتصالات الفلسطيني؟
لماذا تركب عدادات الدفع في السيارات العمومي ولا تشغل ولا يعاقب على عدم تشغيلها؟
ماذا عن ضريبة الأملاك وعمليات التخمين التي تتم للأراضي الزراعية في قرى فلسطين؟
اين تقع اليوم منظومة حماية المستهلك لدى الحكومة ؟
لماذا لم يضبط لغاية الآن عمليات إغراق السوق عبر الاستيراد غير المنظم، وهل هذا الاستيراد هو حماية للمستهلك من تغول الصناعة الفلسطينية بالأسعار؟
ما هو دور مجلس التعليم العالي في ظل أزمة الجامعات؟
ماذا عن القرار الائتماني الفلسطيني، هل هو باليد امام ودائع بلغت ستة مليارات دولار في البنوك ونحن نعيش أزمة مالية في الوطن؟
إلى متى ستستمر ثقافة المرتاح، ثقافة عدم الدفع للمياه والكهرباء؟
الناس في بلدي يمتازون بالطيبة وحب الوطن ولكنهم حساسون لقضاياهم، يعرفون الواقع ويطرحون بعفوية رؤى وحلولا ليس استنادا على نظريات علمية ودراسات ولكن اعتمادا على المقارنة مع تجارب أخرى في العالم عايشوها أو سمعوا عنها أو شاهدوها عبر الفضائيات.
الناس في بلدي رأوا في هذه الحكومة ومنذ العام 2007 وبعد الانقلاب في قطاع غزة طوق نجاة من خلال خطابها ومن خلال وثيقة (فلسطين إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية ) و ( موعد مع الحرية)، ومن خلال قربها من الجمهور، ومن خلال مقاطعتها لمنتجات المستوطنات، وانطلاقها صوب المناطق الأكثر تضرراً من الجدار والاستيطان، وقربها من المناطق المصنفة ( ج) عبر حراثة الأرض وقطاف الزيتون وجلب تنكات المياه للبدو في الاغوار، وعبر تشريع المقاومة السلمية الشعبية.
الناس في بلدي رأوا في هذه الحكومة ايضا أنها استطاعت تنظيم ملف العلاقة مع القطاع الخاص ومكونات المجتمع المدني والنقابات العمالية، ويسجل لها أنها استطاعت أن تترك حيزاً للتظاهر ضدها في ملف الغلاء وارتفاع أسعار الكهرباء والدعوة إلى حماية المستهلك وغيرها.
الناس في بلدي تدرك أن هذا الأمر تم ولكن الواقع البنيوي في مؤسسات السلطة وكفاءة الأداء ما زال ضعيفاً وبحاجة إلى تصليب، ويستطيع أي مواطن يتعاطى مع أي وزارة أن يلمس هذا الأمر ببساطة.
لقد تضخم حجم الشؤون الإدارية في الوزارات التي تضبط الدوام والإجازات وإجازة الولادة وتغير الحالة الاجتماعية على حساب الجسم المهني للوزارات الذي يقع ضمن صميم اختصاصها مثلا، وتضخم حجم قطاع السكرتارية والمساعدين الاداريين على حساب الجسم المهني.
لذلك نشهد تكراراً مملاً لذات الخطاب ومفرداته في الوزارات والهيئات الرسمية وتكرار لذات الزيارات الميدانية والاجتماعات في ذات القاعة وعلى ذات الطاولة وبذات الأشخاص مع تغير طفيف، الم يتشبع المجتمع والإعلام نقاشاً حول تطوير بنى المؤسسات وبناء القدرات. ألم نعمل على مدار ثمانية عشر عاما مضت على هذا الملف، وتكرار الحديث عن مراجعة اتفاقيات ومواصلة النقاش حول التوصل لاتفاقيات، أو الالتحاق بمنظمة دولية، أو القيام بزيارة للاطلاع على تجربة في دولة ما في قطاع ما.
ينعتني الأصدقاء بأنني منحاز لحكومة الرئيس محمود عباس برئاسة الدكتور سلام فياض، ولكنني عندما اراجع مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الالكترونية أجد انهم يركزون على قصور في قطاع بعينه وعن حقائق لا تصل كما هي من قطاع بعينه لرئاسة الوزراء، الناس تنعت بروتوكول باريس بكل النعوت السلبية، الناس تنعت تقسيم الارض الفلسطينية إلى (أ،ب،ج)، الناس تنعت تأخر الإعلان عن موعد الانتخابات القادمة في أيار، الناس يتساءلون ومعهم كل الحق أين الحكومة الجديدة التي ستمهد لإجراء الانتخابات، الناس يسألون عن ملف المصالحة والتطمينات اليومية بأن لقاء سيحدث بين الرئيس محمود عباس وخالد مشعل.
الناس يتساءلون عن سبب الهروب إلى الأمام من بعض رموز القوى الوطنية عبر الهجوم الشخصي ضد رئيس الوزراء في الوقت الذي تهرب هذه الرموز ذاتها من استحقاق المصالحة والانتخابات وتشكيل الحكومة التي تمهد للانتخابات، هل بات الهم الاقتصادي أهم من هذا الملف الذي يشكل الهم الوطني العام؟.
الناس في بلدي بصلتهم محروقة وتتفنن في البحث عن الخطأ وافتراض سوء النوايا، قد نختلف ولكن ليلتمس كل منا للآخر عذراً فيما نختلف عليه ولنتوحد فيما اتفقنا عليه.
الحكومة عليها أن تكون الوعاء الكبير الذي يستوعب الجميع، لذا عليها أن تبذل جهداً أكبر لاستعادة الثقة مع الرأي العام الفلسطيني على قاعدة حسن النوايا والشفافية واستخلاص العبر مما وقع في نقاش قانون ضريبة الدخل المعدل وغيره، وأن تنحاز بالمطلق للغالبية الساحقة من الناس التي تتشكل من الطبقة الوسطى والفقيرة.
ولعل هذا الحوار الوطني المالي يفضي فيما يفضي إليه إلى العودة للعنوان الرئيسي وهو إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة في الجغرافيا.