تقرير موسع: ربى عنبتاوي
خاص بآفاق البيئة والتنمية
شعور من الراحة ينتاب المتسوق المقاطع، حين يشعر انه لا يغرد خارج سرب الرماديات، بل هو والآخرين في بوتقة واحدة "المقاطعة الشعبية الكبرى للبضائع الإسرائيلية"، الجميع يشعر مع شعبه في غزة ويشمئز من الاحتلال وكل ما يرتبط به، فلا يشتري إلا المنتج المحلي، العربي أو حتى العالمي. فقد أضحى شراء المنتج الاسرائيلي في هذه الأيام مرادفاً للاختلال في القيم، ونوع من الدعم للجيش الاجرامي الذي يمارس أبشع أنواع الابادة ضد الشعب الاعزل في غزة ويتمادى في انتهاكاته وسياسة الترانسفير ضد سكان الضفة الغربية.
المقاطعة ورغم ارتباطها بحدث دراماتيكي مؤلم يدفع ثمنه الاغلى أهلنا في القطاع، إلا انه ساهم في الوقت ذاته بتشغيل العديد من الايدي العاملة من العاطلين عن العمل او العاملين السابقين في المستوطنات الإسرائيلية، عبر فتح خطوط انتاج حديثة في المصانع المحلية وتحسينها بشراء ماكينات حديثة لمواكبة الطلب المتزايد على المنتج المحلي، كما ان المقاطعة الواسعة صححت الكثير من الافكار المغلوطة حول المنتج المحلي والذي تم اكتشاف مضاهاته للإسرائيلي في الجودة، ما ساهم في دفع عجلة الاقتصاد الوطني الى الأمام، وفي المقابل تكبيد الاحتلال الذي تغزو منتجاته السوق الفلسطيني خسائرَ جيدة.
تميزت الحملة الأخيرة بأنها الأقوى وربما الأكثر استدامة، وذلك من خلال خضوع المحال التجارية لرغبة المستهلك الذي اصبح ينفر من المنتج الاسرائيلي ويراه أداة حرب او غذاءً ملطخاً بدماء الأطفال الفلسطينيين. مجلة "آفاق البيئة والتنمية" والتي دعت مراراً من خلال صفحات مجلتها إلى ضرورة مقاطعة السلع الاسرائيلية ومحاربة النزعة الاستهلاكية، زارت مؤخراً عدة محال تجارية في رام الله والقدس، ولاحظت مؤشرات ايجابية على قوة الحملة ليس فقط لخلو العديد من رفوف المحال من بضائع الاحتلال، ولكن من تزايد طلب المستهلكين الذين اقتنعوا بأهمية المقاومة بالسلاح الاقتصادي.
برافو مقاطعة خطوة خطوة
في سلسلة محلات برافو، التي تعد الأضخم من حيث كمية البضائع والفروع في مختلف محافظات الوطن، نجد ان المقاطعة خجولة بعض الشيء، فعلى الرغم من ازالة منتجات أهم خمس شركات اسرائيلية ألا وهي تبوزينا، تنوفا، شتراوس، عليت، واوسيم، إلا ان الرفوف ما زالت تحمل بعض المنتجات الاسرائيلية كأكياس البطاطا والخضراوات المفرزة، والعديد من اصناف المرتديلات وشرائح اللحم والدجاج وبعض انواع البسكويت وغيرها، الأمر الذي دفع المجلة للاستفسار عن سبب بقاء تلك المنتجات:
يوضح مدير فرع برافو في المصيون زاهر موسى أن سلسلة هذه الشركة كانت من أوائل من أعلن التجاوب مع حملات المقاطعة حيث قامت بإزالة ما يمكن الاستعاضة عنه بمنتج وطني من ألبان وأجبان وسكاكر وبوظة ...، واضعا العديد من البضائع في المخزن، لافتاً إلى تكبد الشركة خسائر لا بأس بها نتيجة هذا القرار، لكنه طالما يخدم القضية الفلسطينية فمرحى بالمقاطعة.
ويكمل: "نحن هنا في مأزق لا نريد ان نتكبد أكبر الخسائر وننظف كل الرفوف مرة واحدة، نريد ان ننتظر البديل المحلي او تحرك شركات الاستيراد لإدخال منتجات عربية وعالمية بديلة لأسواقنا، وذلك حتى يتم الغاء وجود البضائع الاسرائيلية نهائياً، فتطلعنا للمقاطعة مستدام وليس مرحلي، ولكننا في المقابل لا نقفز قفزا بل نخطو بالتدريج".
وتساءل موسى: "ماذا بخصوص منتجات الريجيم أو تلك الخاصة بالمرضى كالسكري او مرضى الحساسية من الكيلوجين، هل يوجد لها بديل وطني ؟؟؟ مشدداً في هذا السياق على ضرورة وجود بديل محلي او عالمي.
وختم موسى بالقول: "لم نتلق أي دعم من أي جهة رسمية أو خاصة، يفترض على الجهات الرسمية أو اصحاب المصانع ان يدعمونا ولو بجزء بسيط".
حتى الآرمات وثلاجات البوظة من صنع المحتل
ميني ماركت عطا، بقالة صغيرة في منطقة البالوع كانت مقلة أصلاً في اعتمادها على المنتج الاسرائيلي، فلم تتجاوز البضائع ربع المحل. عن المقاطعة قال صاحبها الشاب ساجد كراكرة " استقبلنا شباب وطنيين من حملة "16%" لمقاطعة المنتوجات الاسرائيلية وقاموا بوضع الملصقات على تلك المنتجات في محلي، ورحبنا بجهودهم لدعم قضيتنا". وأشار ساجد الى انه لم يقم بإزالة أي منتج اسرائيلي من تلك المتبقية في محله حتى لا يتكبد الخسائر، لكنه في المقابل لم يطلب اي منتج وتساءل: "هل من المنطق ان القي نعمة الله في النفايات، اخترت أن ابقيها عندي فمن اراد أن يشتريها فهو حر، ومن لم يرغب فمحلي يعج بالبضائع الفلسطينية".
وشدد ساجد على ضرورة توخي الدقة فليس كل منتج مكتوب عليه باللغة العبرية هو اسرائيلي فهناك الفلسطيني، وهناك المنتج من داخل الخط الاخضر مثل مناطق طمرة وكفر قرع وام الفحم. وختم: "تكلفت بمبلغ لا بأس به لإزالة الآرمة الخاصة بمحلي حيث كان عليها شعار بوظة شتراوس الإسرائيلية فيما الثلاجات بقيت تحمل اسم الشركة ولكنها فرّغت من منتجاتها".
سوق القدس يغرق بالمنتجات الاسرائيلية ولكن المقاطعة سارية فيها ايضاً
حين نتحدث عن القدس فالوضع أكثر صعوبة، نتيجة لقوانين المحتل التي تفرضها على المحال الخاضعة لمناطق سيطرتها، فلا تسمح باستقبال إلا النسب القليلة من المنتج المحلي، ولكن نتيجةً لحملة المقاطعة الوطنية ولأن القدس جزء لا يتجزأ من الضفة الغربية، شارك الكثير من المقدسيين في حملة المقاطعة للمنتجات الاسرائيلية وزادوا عليها الامتناع عن الذهاب الى المجمعات التجارية الاسرائيلية في القدس الغربية، ما كبد الاحتلال خسائر كبيرة وفق ما اطلعتنا عليه الصحف الاسرائيلية. وبزيارة لعدة محلات تجارية في القدس فقد لوحظ تزايد طلب التجار على المنتج المحلي والذي لم يقتصر فقط على الالبان بل ايضا للكثير من المنتجات الغذائية الأخرى، وفي سؤال لصاحب بقالة في القدس ( فضل عدم ذكر اسمه) فقد اشار الى أن طلب المستهلكين المقدسيين المقاطعين والحس الوطني له كتاجر مع اهلنا في غزة، دفعه الى احضار ما يمكن تأمينه من منتج محلي وعربي وعالمي، فقلل تباعاً من طلب المنتج الاسرائيلي المفروض على محالهم بحكم سيطرة الاحتلال المباشرة.
تسونامي المقاطعة تستمر
رئيس جمعية حماية المستهلك "صلاح هنية" تحدث في لقاء خاص مع آفاق حول قراءته للمقاطعة حيث أشار إلى أن الارادة الشعبية والتوجه العارم لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية سيضمن تصاعد تسونامي المقاطعة للمنتجات الإسرائيلية، والمؤشر المهم والأساسي أن الخطوة للمقاطعة والتصاعد كان شعبيا بامتياز ولم يكن موجها لأغراض آنية، بل كان نتاج تفاعلات مستمرة بدأت مع انتفاضة الاقصى في العام 2000 لكن غاب حينها التفاعل التجاري الحقيقي، كما سبقتها الانتفاضة الاولى التي حملت في ثناياها ايضا رسالة المقاطعة.
وقال هنية: "من الطبيعي ان بعض المتاجر الكبرى بقي لديها مخزون كبير من بعض اصناف المنتجات الإسرائيلية، لكنها اعلنت انها بصدد الانتهاء منها، والأهم أن المستهلك مصر على رفضها وعدم قبولها".
الموزعون والوكلاء...يحاولون الاضرار بالمقاطعة ولكن!!
ولفت إلى أن الموزعين للمنتجات الإسرائيلية وبقرار من جمعية الصناعيين الإسرائيليين يقومون بتقديم اغراءات للتجار من أجل العودة عن المقاطعة بإغراء التاجر والمستهلك الفلسطيني عبر تقديم اسعار مضروبة وغير متطابقة مع منطق التسعير، وذلك فقط بغرض الرغبة بالعودة عن المقاطعة، ولكن قام التجار بتبليغ الجمعية وفضح هذه الممارسات ورفضها.
ونوه من أن تسونامي المقاطعة يواجه بإشاعات من المصانع الاسرائيلية المتضررة تتعلق برفع سعر المنتجات الفلسطينية وتقليل الكميات، ولكنها اشاعات تم التأكد من انها مُغرضة وغير صحيحة وهدفها تدمير حملة المقاطعة.
وحول عودة بعض التجار لبيع المنتج الاسرائيلي قبل انتهاء الحرب وبعدها أشار هنية بالقول: "باختصار نحن لسنا في خصومة مع القطاع التجاري الفلسطيني ونعتبر انفسنا شركاء اكباراً لقضيتين: الاولى ان هؤلاء التجار هم ابطال حرب الاقفال في الانتفاضة الاولى عام 1987 حيث كانوا يغلقون متاجرهم بناء على تعليمات القيادة الموحدة للانتفاضة ويأتي، ثانياً هم من تطوع لوحدهم بإخلاء المنتجات الإسرائيلية من محلاتهم، وجزء كبير منهم منذ افتتاح محلاتهم لا يبيعون المنتج الإسرائيلي. وبالتالي، اشار هنية إلى أنهم كحماية مستهلك يقومون بنصح التجار وإرشادهم، ويدعون الشركات الفلسطينية إلى تقديم حملات مميزة دعما لمنتجاتهم وتوسيع قاعدة تسويقهم.
 |
 |
شراءك لهذه المنتجات يعني تبرعك بـ16% من سعرها للجيش الإسرائيلي |
إخلاء أحد المحلات التجارية الفلسطينية من المنتجات الغذائية الإسرائيلية |
النصح والإرشاد ولكن!
ولكن في النهاية، أكّد هنية على استعداد "حماية المستهلك" على الوقوف "وقفة كرامة" مع الغرف التجارية الصناعية والزراعية تجاه من يصر على تجاوز الاجماع الشعبي عبر تجريده من عضوية الغرفة التجارية، وعدم شموله في الحوافز التي تقدمها البلديات والغرف التجارية وغيرها.
ولكنه عاد وأكد أنه على ثقة أن الاجماع الشعبي سيتسع للجميع، وأن الوقائع الحالية تؤكد قلة حالات ادارة الظهر بل في المقابل هناك حالة من التعاطف حتى أن المطاعم والمقاهي باشرت بالبحث عن بدائل للمنتجات الإسرائيلية، وأن الاجماع في جميعها يتجه صوب الحليب الفلسطيني والعصائر الفلسطينية وغيرها.
وحول دور السلطة الخجول جداً في دعم الحملات الشعبية في المقاطعة، قال هنية: "عمليا كان حديثنا واضحاً مع الحكومة الفلسطينية ومع وزارة الاقتصاد الوطني فالمطلوب ان تدخلوا من نافذة تشجيع ودعم المنتجات الفلسطينية وتطوير المواصفة الفلسطينية، بحيث يتم تطبيق المواصفة الفلسطينية على كل ما يستورد للسوق الفلسطيني، وهذا سيؤدي لتشجيع المنتجات الفلسطينية، مع ضرورة استخدام المواصفة كعائق غير جمركي امام دخول المنتجات الإسرائيلية في العطاءات والمشتريات الحكومية وحتى للسوق الفلسطيني، وهذا العائق هو الاهم الذي تتحكم به الحكومة وزارات الاختصاص.
وبالنسبة لبروتكول باريس الاقتصادي وغيرها من الاتفاقيات، فحسب هنية هي لا تعيق عملية تشجيع المنتجات الفلسطينية ولا تطوير الأداء، وبإمكان وزارة الزراعة مثلا توفير حماية مؤقتة لبعض المحاصيل الفلسطينية من خلال منع المحاصيل الاسرائيلية التي تضاربها من الدخول لفترة محددة لضمان التسويق، وهناك التعامل بالمثل، يوضح هنية، فكما يمنع الاحتلال منتجاتنا من الدخول إلى القدس المحتلة بحجة المواصفة والفحوصات المرهقة...، يجب ان نتعامل بالمثل معهم.
من مقاطعة الغذاء الى كل ما له علاقة بالاحتلال...استراتيجية المقاطعة
افشال مساعي الصناعات الاسرائيلية من العودة إلى السوق الفلسطيني يتم، وفق هنية، من خلال التوعية الجماهيرية ودعم موقف التجار الرافضين للإسرائيلي في فلسطين والتركيز على جودة المنتجات الفلسطينية وسعرها المنافس، ثلاثة عوامل من شأنها أن تدحر وكلاء البضائع الاسرئيلية عن اسواقنا المحلية.
وعن بقاء الملابس الاسرائيلية في أسواقنا، أفاد هنية: "تروينا في بداية المقاطعة، فلم نكن نريد اثقال كاهل المواطنين بتوسيع قاعدة المقاطعة فـ "تفرط مسبحتها" بالكامل، نعرف ان هناك ملابساً وبلاستيك وبعض الشروات هي إسرائيلية، ولكننا ركزنا على العنوان الرئيس والآن سنوسع المسألة مع موسم المدارس، حيث ذهبنا صوب القرطاسية غير الورقية لتضمنها بضاعة إسرائيلية كالحقائب".
وأكد هنية: " اليوم وبعد تثبيت ما وصلنا اليه على الأرض... سنذهب صوب الملابس الإسرائيلية وغيرها من المنتجات".
وحول بقاء تعاطي القرى النائية مع البضائع الاسرائيلية فيؤكد هنية أنها ليست خارج التغطية، والمسألة تتفاوت من قرية لقرية ولكنها مناطق فلسطينية بالمطلق، إلا أن سهولة التهريب في بعض المناطق القريبة من الجدار والمستوطنات وخصوصا إعادة التغليف في بعض المستوطنات يجعل القرى طُعما سهلا للبضائع الاسرائيلية، ولكن يعود هنية ويؤكد أن هذا لا يقلل من مشاركة وفعالية مساهمة هذه المناطق في المقاطعة والتصدي للاحتلال وأشكاله، إلا أن خصوصية هذه الظاهرة تتطلب تعاونا دقيقا مع اهلها المخلصين الشرفاء..
الناشط الشعبي صلاح الخواجا
الناشط خواجا: هذه المقاطعة سيكتب لها الاستدامة والمؤشر الخمس ايام الاولى من بدء الحملة
من ابرز من اقتحم محل رامي ليفي في مستوطنة مخماس قبل سنوات رافعاً علم فلسطين تحت سقفه يشاركه نشطاء المقاطعة. يرى أن المقاطعة بشموليتها قادرة على دحر الاحتلال. الحديث هنا يدور عن الناشط الشعبي "صلاح الخواجا" الذي يشغل عضواً لسكرتيريا لجنة المقاطعة الوطنية والتي تحتضن المنظمات الاهلية ومؤسسات المجتمع المدني وكافة القوى الوطنية والاتحادات والجمعيات منذ تأسست عام 2005.
يوضح الخواجا لآفاق بأن تجارب الشعوب اثبتت جدوى المقاطعة كسلاح فتاك في زوال الاحتلال، مشيراً إلى أن اسرائيل تعتمد بشكل اساسي على الاقتصاد، ويأتي ترتيبها الـ19 من حيث الناتج القومي رغم ان عدد سكانها قليل. والسبب يعود الى ان الضفة الغربية هي ثاني أكبر سوق لإسرائيل بعد الولايات المتحدة الأمريكية، ومبيعاتها في الاسواق الفلسطينية تتعدى الـ 4 مليارات دولار سواء من مواد مصنعة أو خام، كما انها تجني ارباحا في منطقة الاغوار الفلسطينية المحتلة قريب المليار دولار سنوياً، عدا عن مصانع الحجر والتي يصل عددها الى 12 محجراً والتي تستثمر بالحجر الفلسطيني وتبيعه للفلسطيني، اضافة الى السيطرة على مصادر المياه بما يزيد عن 85%.
ولفت الى أن لجنة المقاطعة فكرت في العديد من الفئات الشعبية التي ليس من المفترض منها أن تقاوم في الميدان، لكن يمكنها ان تقاوم عبر المشاركة من خلال مقاطعة المنتج الاسرائيلي كالنساء والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، لأن المقاطعة الواسعة تشغل ايدي عاملة وستوفر 80 الف فرصة عمل تغطي الخريجين الجدد لست سنوات، وستحارب الفقر والبطالة وتعزز صمود الناس في ارضها.
وحول مدى جودة منتجنا المحلي اشار الخواجا إلى أنه يفتخر بالعديد منها وخاصة ًبصناعة الدواء في فلسطين حيث ان هناك 55 صنفاً يصدر الى اوروبا ويغطي 40% من السوق المحلي، فيما أن 99% من مواد الأدوية الخام تأتي من الخارج، وحصة السوق الفلسطيني من المنتج الوطني 37% .
وأشار الى تكثيف دور اللجنة من خلال استهدافها باستمرار لطلبة المدارس والجامعات والأسر والمؤسسات المختلفة، والاهم تلك الرسمية كي لا يكون في عطاءاتها أي دعم لأي مادة خام اسرائيلية.
السلطة تغض البصر
وحول الموقف الرسمي من المقاطعة أشار أن "السلطة لم تتخذ موقفاً داعماً ولكنها اتخذت موقف غض البصر" مشيداً في ذات الوقت باتفاقية فنزويلا التي وقعتها السلطة لتوفير النفط لمدة 5 سنوات، ما سيوفر على السلطة 400 مليون دولار سنوياً، ما سيخفف من الدعم المشروط القادم من الخارج.
ويرى الخواجا بأن فشل السلطة الذريع كان بسبب عدم التخطيط للتنمية الاقتصادية على مدار 20 سنة منذ تأسيسها، فلم تنفذ مشاريع استثمارية أو وطنية تضمن اعتماد الفلسطيني الذاتي على نفسه والقضاء على الفقر والبطالة وفق خطة تصاعدية.
وحول المؤشرات الايجابية من المقاطعة وكيف يقرأها الخواجا، فتفاءل بدوره من حملة المقاطعة والتي رأى فيها استدامة وليس فعلاً مؤقتاً، مشيراً الى تدارك المصانع المحلية لضرورة مواءمة المنتج الاسرائيلي حيث قامت بفتح خطوط انتاج جديدة منافسة، ما يعني زيادة عدد ساعات العمل وتشغيل ايدي عاملة جديدة، مشددا ان التلاعب بالأسعار ممنوع ومراقب ومشددّ عليه من قبل لجنة المقاطعة.
وحول المؤشرات على استدامة المقاطعة فأشار: "الرغبة الشعبية العالية والتي أثبتت انه في خلال 5 ايام تم مقاطعة 50% من المنتجات الاسرائيلية في السوق الفلسطينية، كما أن كل القوى الوطنية أخذت تتعامل مع المقاطعة كجزء من المهمة الوطنية الكفاحية فهي ليست هبّة مؤقتة، بل ثقافة مستدامة تقاوم الاحتلال وتسحب منه الرفاهية التي يعيشها على حساب شعبنا وكأنه في فندق خمس نجوم.
القرى النائية والأغوار تغزوها البضائع الاسرائيلية والحل التوعية
فيما ابدى الخواجا قلقه من اهمال القرى وخاصة ما يتعلق بمراقبة دخول البضائع الإسرائيلية وتلك الخاصة بالمستوطنات إليها، مشيرا الى انهم يتواصلون مع البلديات في القرى لتعميم ثقافة المقاطعة، منوهاً إلى ان الوضع الاخطر هو في الاغوار، حيث يعتمد سكان تجمعات الاغوار ( 50 الف نسمة) في معيشتهم على المستوطنات بشكل مباشر، وذلك مرده غياب الخطط الوطنية الاستراتيجية لسلة غذاء فلسطين والتي تعد مخزون الغذاء والماء والشمس.
16% ماذا تعني ؟
الحملة الشبابية لتشجيع المقاطعة والتي اختصرت اسمها بـ"16%" دلالة على النسبة المئوية التي تخصص من الصناعات الاسرائيلية لدعم الالة العسكرية الاسرائيلية (تنفيراً من شراء أي منتج اسرائيلي)، تتألف من شبان متطوعين ينشطون بشكل جغرافي كل متطوع من محيطه، تقوم بوضع ملصقات اسفل رف البضاعة الإسرائيلية أو عليها نفسها، يعمل على القضاء رويدا رويدا على المنتج الاسرائيلي في الاسواق الفلسطينية والعربية والعالمية.
أحمد جرار أحد الناشطين في حملة 16% في الضفة الغربية يقول لآفاق: المقاطعة تحقق لأول مرة انتشاراً كبيراً بشكل غير مسبوق، وذلك وسط استجابة فورية ومباشرة من معظم شرائح الشعب الفلسطيني، صحيح ان أنشطة المقاطعة متواصلة منذ سنوات طويلة ولكن بالتزامن مع حرب غزة فقد شهدت حراكا مختلفاً على الصعيد الإعلامي والميداني أدى لنجاح كبير باعتراف الاحتلال نفسه الذي قال أن البضائع الإسرائيلية تدهورت ومصانع أغلقت وخسارات كبيرة نتيجة الحملة.
وحول آلية العمل أشار جرار إلى محاولة نشطاء المقاطعة من خلال جهود فردية ومبادرات ذاتية ايصال الملصقات لمعظم المدن والقرى، مؤكداً أنه لا يدعي النجاح الكامل خاصة أن حملات المقاطعة لم يتم تبنيها على مستوى الحكومة ولا الفصائل أو مؤسسات المجتمع المدني وبقيت في غالبيتها حملات شبابية بدون تمويل، ورغم ذلك هناك انتشار جيد في القرى وإن كانت بصورة أقل من المدن حيث كان تركيز حملات المقاطعة على المدن تحديداً.
وحول ضمان الاستمرارية في المقاطعة بعد اعلان وقف النار أواخر آب، فأشار جرار بأن وعي الشعب واستمرار حملات النشطاء الفلسطينيين مع وجود دعم رسمي وفصائلي وشعبي سيبقيها مستمرة، فعلى الجهود أن تستمر وتتواصل.
صلاح هنية رئيس جمعية حماية المستهلك
احصائيات وأرقام عن المقاطعة
كشفت صحيفة "معاريف" العبرية في عددها الصادر في الـ 15 آب ان 80 مصنعا إسرائيليا متخصصا في إنتاج الحليب والألبان، مهددٌ بالإغلاق بشكل نهائي الشهر المقبل، بسبب قرار أوروبي بمنع استيراد أية منتجات للألبان مصدرها المستوطنات الإسرائيلية. واستند الاتحاد الأوروبي في قراره، مقاطعة المستوطنات الإسرائيلية تجارياً واقتصادياً وثقافياً وأكاديمياً، على أحكام المحكمة الدولية في لاهاي عام 2004، والتي قضت حينها بأن المستوطنات الإسرائيلية المقامة على أراضي الضفة الغربية، غير شرعية وتخرق البند 49 من ميثاق جنيف، الذي يحظر على دولة محتلة أن توطن سكانها في المناطق التي احتلتها
وكان وزير المالية في الحكومة الإسرائيلية، يائير لابيد، قد صرح خلال وقت سابق من العام الجاري أن إجمالي خسائر الاقتصاد الإسرائيلي سنوياً بفعل المقاطعة قد تصل في حال إمتدادها إلى 20 مليار دولار، بينما يفقد السوق قرابة عشرة آلاف وظيفة سنوياً.
كما كشفت القناة العبرية العاشرة في الـ 16 من آب الماضي عن تراجع صادرات المصانع الغذائية الإسرائيلية إلى مناطق الضفة الغربية بنسبة 50% خلال الأسابيع الثلاثة التي سبقت بث التقرير التلفزيوني، وذلك منذ تكثيف الحملات الشعبية الفلسطينية لمقاطعة كل منتج إسرائيلي، ردا على الحرب ضد قطاع غزة.
ووصفت القناة الهبوط الكبير في صادرات المصانع الغذائية باتجاه مدن الضفة الغربية، بـ "الدرامي"، متساءلة: "كيف أمكن لسكان الضفة الغربية الاستغناء عن تنوفا (شركة إسرائيلية لصناعة مشتقات الحليب)، وتوبوزينا (شركة لتصنيع العصائر) بهذه البساطة والسرعة".
وقدرت القناة، وفقاً لأرقام مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، صادرات الأغذية بإتجاه مدن الضفة بنحو 1.5 مليار دولار سنوياً، مشيرة إلى أن بعض المصانع الإسرائيلية اضطرت إلى إغلاق بعض خطوط الإنتاج لديها، بسبب تراجع المبيعات.
والسوق الفلسطينية، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، تعد أهدافا أساسية للسلع والمنتجات الإسرائيلية الغذائية وغير الغذائية، وتلك القادمة من المستوطنات، حيث بلغ إجمالي واردات الفلسطينيين من إسرائيل العام الماضي نحو 3.5 مليار دولار ، ونحو 500 مليون دولار واردات من المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية.
صلاح هنية وزميله يفرغان أحد محلات البقالة في بلدة بيتونيا من السلع الإسرائيلية
الاحتلال يكابر ويقلل من أهمية المقاطعة
فيما قال أفي نوديلمان، وهو المدير السابق للغرفة التجارية الصناعية الإسرائيلية الفلسطينية حول المقاطعة: "هذا يذكرني بالانتفاضة الاُولى حيث كان هناك مقاطعة للبضائع الإسرائيلية وقالوا في حينها: إزرعوا خضاركم" مشيرا ان الفكرة "رومانسية للغاية ولكنها لن تدوم".
كما قلل من أثر حملة المقاطعة على الاقتصاد الإسرائيلي قائلا "اذا لم يقوموا بشراء المنتجات الإسرائيلية فإن الضرر الذي سيلحق بالاقتصاد الإسرائيلي لن يكون كبيرا، ذلك لأن السوق الفلسطيني سوق صغير بالنسبة لإسرائيل".
يذكر أن آخر احصائية صدرت عن اتحاد جمعيات حماية المستهلك يوم الـ 29 من آب ونشرت في صحيفة القدس، أشارت إلى أن نسبة المقاطعة في الأراضي الفلسطينية قد وصلت حتى تاريخ البيان إلى 75% في المحلات التجارية، وفي البيوت 90%.