الرئيسية » البيانات صحفية »   23 شباط 2014  طباعة الصفحة

الاقتصاد الاجتماعي: الفسلفة والركائز والآليات المطلوب اعداد د. محمد عبيدات رئيس الاتحاد العربي للمستهلك عمان/ الأردن

  1.مقدمه:

 

 الاقتصاد الاجتماعي : الفلسفة والركائز والآليات المطلوبة . زادت الأحاديث الحكومية والأعلامية والحمائية( حركات حماية المستهلك) حول نهج الاقتصاد الاجتماعي الذي طبق في بلدان متقدمة عديدة بعد انكشاف الأثار السلبية الكبيرة لما يسمى بفلسفة اقتصاد السوق الذي طبق في بلدان نامية عديدة خلال العقود الماضية بأساليب غير مدروسة وعملية، حيث تم تغييب مختلف صور أو أليات أو مكونات البعد الاجتماعي الذي كان يجب أن يرافق هذا النهج. باختصار، أدى تطبيق اقتصاد السوق الحر الى تغييب واضح لأية سياسات تموينية اجتماعية عادلة ومتوازنة لأسباب أهمها، سوء فهم هذا النهج لإقتصاد السوق مما أدى الى ازدياد بؤر الفقر والبطالة وارتفاع كبير في أسعار السلع والخدمات والذي كان معظم أسبابه داخلية وذلك بسبب سيطرة أصحاب المصالح المحتكرين والذين سيطروا على مختلف مفاصل القرار الاقتصادي في الأغلبية الساحقة من البلدان.

 

2.المعنى والدلاله. الحقيقة أن نهج الاقتصاد الاجتماعي ليس جديداً بل إنه نهجاً قديماً وموثقاً بطريقة واضحة في الأدبيات والدراسات الاقتصادية حول الموضوع ومنذ ما يزيد على ستة الى سبعة عقود من الزمن. يحاول هذا النهج التوفيق بين الأنشطة الاقتصادية التي تعمل على زيادة وتيرة النمو الاقتصادي بشكل منظم مع حفز تنافسية وانتاجية كافة القطاعات الاقتصادية من خلال ايجاد التشريعات المتطورة والعادلة والمتوازنة مع توفير كافة التسهيلات لتشجيع المنافسة وبما يحقق خاصية التوزيع الانساني والعادل للمنافع والفوائد المتحققة على كافة شرائح المجتمع وطبقاته وفي كافة المناطق الجغرافية لهذا البلد أو ذاك.

وتجدر الإشارة هنا الى أن فلسفة الاقتصاد الاجتماعي ما هو الا تصحيحاًَ وترشيداً عقلانياً للتطرف الذي حصل في تطبيقات أو ممارسات اقتصاد السوق الحر والذي تم تطبيقه والمغالاة أو المبالغة من قبل بعض أصحاب المصالح المحتكرين الذين كانوا وما زالوا يطبقونه لصالحهم فقط دونما أية مراعاة لمصالح الطبقات الاخرى الأقل حظاً أو الذين لم تتاح لهم فرصة التعبير عن دوافعهم في تطوير قدراتهم من خلال توفير كافة الحوافز الممكنة لزيادة انتاجيتهم وبالتالي فإن كافة الدلالات الواضحة لهذا النهج الاقتصادي الاجتماعي ليس فقط تقديم الخدمات والمكاسب لفئات أو لشرائح اجتماعية محددة بل العمل لأن تؤخذ الفئات والشرائح الأولى حظاً أو رعاية حقوقها بعد أن تتم مساعدتها لزيادة انتاجيتها.

 بمعنى أن المطالبة هنا هو لايجاد بيئة تسمح بالمنافسة الحقيقية وليس تكريس أو تعميق الاحتكارات الظالمة، بالإضافة الى ايجاد أو توفير فرص فعلية لتكافؤ الفرص بين كافة الشرائح أو الطبقات ومن منظور انساني واجتماعي عادل ومتوازن. وبناء على ما تقدم فإن النهج الاقتصادي الاجتماعي يعني أولاً وأخيراً ايجاد الآليات أو الوسائل وبشكل مقنن ومحدد لدور الأجهزة الحكومية ذات العلاقة لتفعيل آليات السوق والتدخل في الأوقات المناسبة.

 كما يعني ايجاد قوانين ناظمة للأنشطة الاقتصادية كلها بما فيها قانون هدفه صيانة حقوق المستهلكين وما يتضمنه من ايجاد مرجعيات حكومية مستقلة لكل طرف من أطراف العملية التبادلية. ذلك أن النهج الاقتصادي والاجتماعي يتطلب ايجاد معادلات متوازنة لكل صاحب حق وتحديداً الشرائح الأقل حظاً أو رعاية وبما يحفز كافة الأطراف للمساهمة الايجابية في تطوير الاقتصاد الوطني.

 باختصار، تقوم فلسفة الاقتصاد الاجتماعي على الجمع بين آليات السوق من حيث الطلب والعرض وتحرير الأسعار أو تعويمها ولكن من خلال وضع ضوابط وقواعد لضبط آليات السوق بما يفيد كافة الأطراف في العملية التبادلية وبما يؤدي الى التوازن والعدالة وتكافؤ الفرص مع ضمان الرعاية الصحية والتعليمية والغذائية لكافة شرائح المجتمع بعيداً عن الرعاية الاجتماعية غير المنتجة بل يجب أن تكون القرارات مؤدية الى رعاية اجتماعية منتجة تقوم على الاستثمار المنتج للطبقات الفقيرة وحفزها على الانتاجية وليس تعميق الرعاية الانتاجية التي ينتظر اصحابها أو المنتفعين منها مبالغ مالية تأتيهم من الصناديق أو المؤسسات الحكومية الاجتماعية كل شهر. فالأقتصاد الاجتماعي إذن يركز على إعادة توزيع المكاسب والمغانم المتأتية من الأنشطة الاقتصادية والتي يجب أن يشترك في صنعها كافة الشرائح الاجتماعية وضمن أولويات محددة تتفق مع القدرات الاقتصادية لهذا البلد أو ذاك. بكلمات أخرى، يتضمن النهج الاقتصادي الاجتماعي ايجاد صيغة معدلة لصيغة اقتصاد السوق الحر الذي أدت تطبيقاته خلال العقود الماضية الى ممارسات فوضوية وظالمة بحق شرائح المستهلكين من الطبقتين الوسطى والدنيا وهو ما يعني ضرورة تدخل الدولة بأجهزتها المختلفة عند اتخاذ وتنفيذ مختلف القرارات التي تمس حياة المستهلكين المواطنين ومن خلال حوارات أو مجالس شراكة ثلاثية الأبعاد عن الحوارات الثنائية بين ممثلي الأجهزة الحكومية وأصحاب المصالح من التجار والصناع فقط.

 إذن فعليها أي الدوله التعرف على أثار الممارسات الاقتصادية لكافة القطاعات على المجتمع وبما يضمن مبادئ العدالة والمنافسة الحرة وتكافؤ الفرص.

 

3- ركائز فلسفة الاقتصاد الاجتماعي. باختصار، يمكن توضيح ركائز فلسفة الاقتصاد الاجتماعي كما يلي:

أ‌.        تحديد الأولويات الممكنه. يعتبر تحديد الاولويات الاستثمارية والانفاقية من أهم الركائز التي تشير الى اتباع هذه الدولة أو تلك النهج الاقتصادي الاجتماعي أو ذاك. ذلك أن تحديد أولويات الاستثمار المنتجة لفرص العمل في مجتمعات يزداد عدد العاطلين عن العمل بشكل مضطرد يعتبر الخطوة الاولى لتحديد أو توفير أو تخصيص الموارد المالية اللازمة للاستثمار في مشاريع مولدة لفرص العمل التي يحتاجها المجتمع.

أما تحديد أولويات الانفاق فيعتبر مؤشراً قوياً على تطبيق مبادئ الشفافية والمسئولية والمحاسبة السليمة عند صرف الأموال المرصودة للانفاق على هذا الجانب أو ذاك. كما أن تطبيق مبدأ تحديد الأولويات الاستثمارية والانفاقية سيؤدي أو سيعمل على إحباط محاولات للإفساد والفساد وذلك باعتبار أن الأموال المخصصة للانفاق والاستثمار سيؤدي الى تحديد طرق وأبواب انفاقها مع استثمارها بشكل علني وشفاف ومعروف لكافة أطراف العملية التبادلية. الحقيقة أن الأغلبية الساحقة من البلدان النامية كانت (وكما تشير التقارير والدراسات المنشورة) لا تحدد أية أولويات استثمارية أو انفاقية الأمر الذي أدى بها الى تزايد اعداد الفقراء والعاطلين عن العمل فيها بالإضافة الى تزايد مديونياتها بشكل مستمر وذلك لأسباب أهمها غياب الرؤية الاقتصادية المناسبة لأوضاعها. أي توجيه الأولويات الاستثمارية والانفاقية بما يعجل من وتيرة النمو في الأنشطة الاقتصادية وتنمية الحاجات الاجتماعية الضرورية والأساسية كدزء من منظومة اقتصادية يشترك في وضعها وتنفيذها ومتابعتها من قبل كافة الأطراف في المجتمع.

 ب‌.    حفز كافة القطاعات الاقتصادية: انسجاماً مع الركيزة الاولى المشار اليها بالنقطة الاولى، لا بد من وضع خطط وبرامج ووسائل وتشريعات مناسبة لحفز كافة القطاعات الاقتصادية ( الزراعية والصناعية والتجارية والسياحية والخدمية وغيرها) وبما يؤدي الى زيادة انتاجيتها ويزيد من معدلات نموها السنوية. ذلك أن حفز الزراعيين لتحسين زراعاتهم وزيادة معدلات انتاجياتهم بالإضافة الى حفز الأشخاص والشركات العاملة في مجال الثروة الحيوانية لزيادة انتاجيتها ومعدلات نموها مع حفز واضح ومبرمج للصناعات التي تتمتع بمزايا تنافسية واضحة بالمقارنة مع مثيلاتها المنافسة في البلدان الأخرى.

 كما أن حفز القطاع التجاري تشريعياً وتسهيل اجراءات عمله المرتبطة باستيراد والتوزيع الداخلي للسلع والخدمات من الأمور الايجابية التي تؤدي بهذا النشاط الى تبني استراتيجيات استيرادية وتسويقية مناسبة ومقبولة للبيئة المحلية. كما تنطبق هذه الركيزة على القطاعات السياحية والتعليمية وغيرها من المجالات الخدمية. الحقيقة، إن فلسفة الإقتصاد الاجتماعي تعنى فيما تعنيه انه لزيادة العدالة وتكريس المنافسة ونشر مبدأ تكافؤ الفرص بين مختلف القطاعات الاقتصادية لا بد من ايجاد حوافز مناسبة وفعالة لكافة القطاعات ذلك أن هذا الأمر سيؤدي بالفائدة على مختلف شرائح المجتمع أياً كان عملها أو تخصصها.

 ج- التوزيع العادل للمنافع والفوائد المتأتية نتيجة التطبيق الفعّال لفلسفة الاقتصاد الاجتماعي خاصة إذا تم اتباع الركيزتين الاولى والثانية المشار اليهما في النقطتين الأولى والثانية بشكل علمي ومبرمج. ذلك أن التوزيع الظالم لعوائد أو نتائج ممارسات ما سمي بفلسفة الاقتصاد الحر الذي تم تطبيقه في بلدان نامية عديدة ولما يزيد عن عقدين من الزمن أدى الى تطبيقات كان العائد فيها يعود فقط لأصحاب المصالح والمحتكرين أما الأغلبية العظمى من المستهلكين فكان عليها دفع الثمن والذي جاء بصور عديدة منها تحملهم أسعار السلع والخدمات التي زادت وفق خطط وبرامج معدة مسبقاً من قبل أصحاب المصالح وهو الأمر الذي زاد من بؤر الفقر والبطالة والى شبه انعدام في تكافؤ الفرص بين المحظوظين والأقل حظاً من أفراد المجتمع الواحد. باختصار، هذه هي ركائز الاقتصاد الاجتماعي وفق الأدبيات والدراسات، أما واقع تطبيق هذه الركائز فيبدو ضعيفاً في الأغلبية الساحقة من البلدان النامية باستثناء واحد ووحيد ألا وهو المرتبط بالبلدان الخليجية ذات الامكانات المادية الهائلة التي وفرت كافة الموارد المادية لتطبيق هذه الركائز المرتبطة بفلسفة الاقتصاد الاجتماعي.

 

 4 .آليات تطبيق فلسفة الاقتصاد الاجتماعي. لضمان نجاح تطبيق فلسفة الاقتصاد الاجتماعي لا بد من توفير بعض الآليات العملية وكما يلي:

 أ‌.      بداية لا بد من وضع تشريعات حكومية معاصرة وملتزمة بتطبيق فلسفة الاقتصاد الاجتماعي ووفق الركائز التي أشرنا اليها آنفاً. ذلك أن التزام الدولة بأجهزتها المختلفة بتطبيق هذا النهج روحاً ونصاً هو الضمانة الأولى لتطبيق هذا النهج المتوازن بأبعادها المختلفة الاقتصادية والاجتماعية، ويقتضي هذا الأمر وضع قوانين عصرية لحماية المستهلك تنظم عمل المرجعيات الحكومية المستقلة لحماية المستهلك مع حركات حماية المستهلك الأهلية التطوعية وبطريقة تقوي عمل هذه الحركات الحمائية الدفاعية قانونياً ومالياً وإدارياً لضمان نجاح عملية التنسيق والتعاون بين المرجعيتين الحكومية الأهلية للمستهلك.

 ب‌.    مرجعيات حكومية مستقلة لأطراف العملية التبادلية. المقصود بهذه النقطة أنه لضمان تطبيق فلسفة الاقتصاد الاجتماعي بركائزه الثلاثة لا بد أن تكون هناك مرجعيات حكومية لكافة الأطراف في العملية التبادلية وتحديداً شرائح المستهلكين. ذلك أنه من غير الممكن الكلام عن الاقتصاد الاجتماعي بغياب وجود مرجعية حكومية لحماية المستهلك مستقلة عن مرجعيات التجار والصناع والزراع وغيرهم وهذا الأمر يجب أن يسبقه انشاء وزارات للتموين أو هيئات حكومية مستقلة لحماية المستهلك تنص عليها قوانين حماية المستهلك التي تصدر والتي ستنظم مختلف العلاقات بين هذه المرجعيات الحكومية وجمعيات حماية المستهلك الأهلية وبروح من الندية والإحترام وتوزيع الأدوار لما فيه مصلحة المستهلك.

 ج- وسائل رقابة فعالة. لضمان نجاح فلسفة الاقتصاد الاجتماعي لا بد من ايجاد وسائل رقابة فعالة هدفها تقييم مدى تطبيق ركائز هذا النهج الاقتصادي الاجتماعي وصولاً الى تحديد المعوقات أو الصعوبات التي تعترض تطبيقه لتذليلها او الغائها.

 وهذه الوسائل الرقابية تستوجب أن تعتمد على مجموعة من المبادئ والأساسيات مثل الشفافيات والحاكمية والمحاسبة بمعاييرها بالإضافة الى تناسب السلطة مع المسئولية . كما يحتم تطبيق النقاط الثلاثة (أ و ب و ج) السابق الاشارة اليها الغاء أو دمج كافة المؤسسات الطفيلية التي أنشأت لخدمة فلسفة اقتصاد السوق الفوضوي والتي ينهش معظمها ايرادات خزينة هذه الدولة أو ذلك باعتبارها خاسرة كلية في أنشطتها كون تأسيسها كان وما زال لإسترضاء هذه الجهة أو تلك وبحسن نية قد نقول هنا أن أمر انشاء مثل هذه المؤسسات كان قرارا غير مدروساً على الاطلاق . في الختام، إن تطبيق فلسفة الاقتصاد الاجتماعي يناسب أحوال كافة الأطراف في العملية التبادلية في معظم البلدان النامية خاصة البلدان ذات الموارد المحدودة.