الرئيسية » الاخبار »   07 أيلول 2021  طباعة الصفحة

تحديات مدينة البيرة والمخطط الهيكلي المقترح المهندس أنس الهودلي
 
أود أن تكون كلماتي في موضع النقد البنّاء والهادف الى تحسين الحال والنهوض والإرتقاء بالحوار والنقاش حول المخطط الهيكلي لتحسينه وتطويره. عند قراءتي ودراستي للمخطط الهيكلي المقترح لعام 2021 لمدينة البيرة، تبادر إلى ذهني كثير من الأسئلة. كان أولها هل المدينة بحاجة لمخطط هيكلي جديد؟ وكانت الإجابة "نعم" فنحن بأمسّ الحاجة لذلك وأنا بإعتقادي أن هناك تأخير أكثر من عشر سنوات لهكذا مخطط. فتغيُّر الحال منذ نشوء السلطة الوطنية الفلسطينية وتغير الحال الذي فُرِض على المدينة جعل مخططها الهيكلي القديم لا يلبي تحديات الواقع الجديد ولا يطرح حلول مستقبلية لما تعانيه المدينة من مشاكل تخطيطية. وقبل البداية بسرد هذه التحديات، أود أن أذْكُر بعض الإحصائيات عن واقع المخطط الهيكلي الحالي لمدينة البيرة:-
عدد قطع الأراضي الكامل داخل المدينة هو 7540 قطعة بمساحة إجمالية 9374 دونم.
عدد قطع الأراضي الغير مبنية وغير المطوّرة داخل المدينة هو 3560 قطعة بمساحة 4918 دونم.
معدل البناء السنوي داخل هذا المخطط في السبع سنوات السابقة هو 250000 متر مربع ، ما يعادل حوالي 1250 شقة، أي ما يعادل 80 مبنى جديد بحجم إسكان مكوّن من 16 شقة.
أما التحديات التي واجهتها المدينة في العشرون سنة الفائتة فتمثل بالتالي:-
التحدي الأول:
تحول المدينة لعاصمة إدارية دون تخطيط.
إن إنشاء وإقامة كثير من وزارات السلطة والمباني السيادية والسياسية والأمنية تبعه بشكل تلقائي إقامة مباني إدارية وإقتصادية من بنوك وشركات تأمين ومؤسسات أهلية وجمعيات. ساهمت وجود المؤسسات السيادية والحكومية والأهلية والاقتصادية بهجرة داخلية من شمال وجنوب الضفة ومن ريف المحافظة إلى المدينة. وعودة الغتربين من الفلسطينيين من دول العالم لتسكن في المدينة للعمل بهذه المؤسسات. هذا الواقع فرض تحدي كبير على المخطط الهيكلي، فلم يستطع أن يواجهه. لذا تجد أن هناك أكثر من 300 مؤسسة في المدينة موجودة في مباني سكنية كان الأجدى والأفضل وجودها في مباني إدارية مؤهلة بما تحتاج من خدمات ومواقف السيارات والبنية التحتية المناسبة لهذه الوظيفة المستحدثة للمباني السكنية.
التحدي الثاني:
إقرار قانون إفراز الشقق والمحال التجارية
أدى إقرار قانون إفراز الشقق والمحال التجارية الى تحول المسؤول عن البناء من "المالك الباني" الى "المطوّر العقاري". فالمخطط الحالي بني على فرضية أن قطع الأراضي السكنية الموجودة بالمخطط سيقوم أصحاب هذه الأراضي الأصليين بالبناء عليها لإستخدامهم الشخصي هم وعائلاتهم. فنجد أن أكثر من 80% من مساحة المخطط الحالي تتوزع بين سكن أ وسكن ب وهذا تاريخياً لم يشكل ضغط على البنية التحتية للمدينة لأن معدل الأمتار المبنية على هذه القطع (حجم المباني) كان منخفض نسبياً. وكان حجم المباني يتناسب مع حجم الأرض.
عند إستلام الدفة من قبل المطورين العقاريين وما صاحبه من إرتفاع جنوني لأسعار الأراضي جعل هؤلاء المطورين العقاريين يبنون الحد الأعلى المسموح به ويتجاوزون ويضغطون على القوانين والأنظمة والتشريعات لزيادة نسبة البناء ورفع الكثافة السكنية، وذلك لتحقيق مصالحهم، على مخطط هيكلي لم يُعَد أو يُجَهّز لذلك. فالمراقب لمباني المدينة يرى عدم التناسب بين أحجام المباني ومساحات قطع الأراضي التي أنشئت عليها هذه المباني. ويشعر بأثر هذه الضخامة على الفراغ العام.
التحدي الثالث:
مخطط هيكلي للبناء والتطوير بوجود أشكال أراضي زراعية مكوّنة من حبلات وترسات وموارس زراعية
إن من أعظم الخطايا الموجودة بالمخطط الهيكلي الحالي والمقترح هو أن أشكال الأراضي التي من المفترض أن تكون قد أعدت للتطوير والبناء هي في الواقع أراضي غير منتظمة من حيث الشكل والمساحة وتعاني من سوء التوزيع. ، يؤدي وهذا إلى :
تجد أراضي بمساحة نصف دونم بجانب أراضي بمساحة 5 دونم
صعوبة تطوير أراضي بسبب شكلها أو توبغرافينها أو انحدارها
تباين شاسع بحجم المباني المتجاورة
أشكال المباني تتبع شكل حدود قطع الأراضي وهي بالأصل سلاسل وسناسل حجرية فرض شكلها الغير منتظم شكل المحيط الخارجي للمباني الحديثة.
العدد الأكبر من الأراضي المتبقية الغير مطورة داخل المخطط الهيكلي تجد صعوبة وإستحالة في تطويرها. أي أن الـــ 3500 قطعة المتبقية والمخدومة بالبنية التحتية غالبيتها غير قابلة للتطوير.
التحدي الرابع:
تحول الأرض إلى سلعة محتكرة وخدعة تخمين الأرض
بعد سنوات قليلة على نشوء السلطة وإنتعاش الحياة الإقتصادية وتراكم أموال بأيدي التاجر الفلسطيني جاء أثر الإنتفاضة الثانية لتوقف الحياة الإقتصادية والتجارية. حينها قام التجار بالتوجه لشراء قطع أراضي لتخزين وكنز رؤوس أموالهم من خلالها. وعند إنتهاء الانتفاضة الثانية وجد تجار المدينة أن العائد المادي من ارتفاع أسعار الأراضي كان أفضل من عائد تجارتهم لذلك إستمروا بإمتلاك الأرض بهدف تجاري وليس بهدف تطويري بصفتها المكون الأول من المشاريع التطويرية. تبعهم بهذا التوجه المغترب الفلسطيني من كافة أرجاء محافظة رام الله والبيرة . وقد يكون السبب في ذلك زيادة الرقابة على أموالهم السائلة الموجودة في بلاد مثل أمريكا، فتوجهوا بدورهم لشراء وإمتلاك الأراضي. تبعهم في ذلك مواطني القدس الشريف وكذلك ولتفادي الرقابة على أموالهم في البنوك الإسرائيلية فتوجهوا بدورهم أيضاً لامتلاك أراضي وعقارات داخل المخطط الهيكلي لما تحققه من ربح وعدم وجود أي عبء مادي على إمتلاكها. إضافة إلى ذلك المفارقة الكبيرة بين سعر الأرض الحقيقي وقيمة تخمين الأرض ينعكس بشكل مباشر على قيمة ضريبة الأملاك المنخفضة. فضريبة الأملاك الغير حقيقية لا تشكل عبء أو دافع أو مُحرّض على تطوير الأرض أو بيعها بغرض التطوير. وكمثال الأرض التي قيمتها مليون دينار يجب أن تدفع سنوياً ستة بالألف من قيمتها كضريبة أملاك أي ما يعادل ستة آلاف دينار. ولكن بسبب التخمين الغير حقيقي تجد أن المطلوب من المالك لهذه الأرض يدفع 120 دينار سنوياً فقط بناءاً على تخمين غير حقيقي. وهذا الواقع الغير متوازن أدى إلى تحويل الأرض الى سلعة محتكرة بدل أن تكون المكوّن الأساسي في المشاريع التطويرية.
التحدي الخامس:
المشاكل القانونية
هناك أكثر من مشكلة قانونية بحاجة لذكر وهي كالتالي:
تفتت الملكية نتيجة إنتقال الملكية بالميراث أدى إلى ظهور الملكية المشاع. وهي أن تملك جزء من الأرض دون السيطرة على أي عملية تطوير بالأرض. والذي زاد الطين بلّة هو طلب البلدية في الفترة الأخيرة موافقة كافة ملّاك الأرض لأي عملية تطوير لهذه الأرض في حين كانت تكتفي المجالس السابقة بأغلبية الملكية أي وجوب من أراد التطوير أن يسيطر على أكثر من 51% من ملكية الأرض. مما أدى إلى تعطيل تطور جزء كبير من أرضي المدينة.
سيادة وسيطرة البلدية تختلف بين مناطق A وC حسب اتفاق اوسلو المرحلي من أراضي المدينة. فهناك إستحالة في العشرين عاماً المنصرمة من انجاز توحيد وإفراز الأراضي الموجودة ضمن المخطط الهيكلي كون أوراق الطابو ليست بحوزة سلطة الأراضي الفلسطينية وذلك لوجودها ضمن أراضي تصنيفها السياسي هو منطقة C.
قانون البناء المطبق هو قانون متناقض ومختصر ويشوبه الكثير من عدم الوضوح وغير مواكب للعصر. ولا توجد مرجعية لتفسيره. يستطيع مهندس التنظيم إذا أراد التشدد بالقانون أن يوقف أي عملية بناء في المدينة. كانت هناك الكثير من التسهيلات التي أقرّتها المجالس المتعاقبة وذلك لتبينها ومعرفتها لمواطن الضعف بالقانون وإعتمدتها بقرارات مجالس بلدية. ألا أن المجلس الحالي أوقف العمل بها.
التحدي السادس:
عدم وجود رؤيا متوافق عليها للكثافة السكانية المرجوة للمدينة
إن أي مخطط هيكلي يجب أن يعكس رؤية أصحاب القرار والمخططين بالكثافة السكانية المنوي الوصول إليها بالمدينة. وعند التواصل مع بعض أعضاء المجلس البلدي تلمس التباين الكبير في نظرتهم لموضوع الكثافة السكنية فيها. فهناك الشخص الحالم الذي يريد الإبقاء على الطابع الريفي للمدينة وبالمقابل تجد الذي إستسلم لتحول المدينة إلى جزء من العاصمة الإدارية.
التحدي السابع:
تحدي الإحتلال وحصار المدينة
الدارس لواقع جغرافية المدينة يلمس الصعوبة الكبيرة بالتوسع الأفقي للمدينة للأسباب التالية:
يمكن وصف المدينة بالشكل الطولي الممتد على محور المواصلات التاريخي الواصل بين مدينتي القدس ونابلس. ويحد المدينة من الغرب مدينة رام الله ومن الجنوب كفر عقب وعشوائيتها وقلنديا وحاجزها . ويحدها من الشمال مستوطنة بيت إيل وحوض شعاب كساب الذي تطالب المدينة بضمه لمخططها الهيكلي منذ السبعينيات ولكن الإحتلال رفض ذلك ويتغاضى عن البناء العشوائي المنتشر في هذا الحي لمعرفة الإحتلال أن المناطق العشوائية تعتبر من الاسباب الرئيسية لوقف توسع المدن.
فتبقى الجهة الشرقية للمدينة وبالرغم من صعوبة طبغرافيتها وإنحدارها الحيز الوحيد المتبقي للتوسع، إلا أن السبب الرئيسي لعدم التوسع هو وجود ثلاث مستوطنات تحاصر المدينة من الشرق وهي كوكب يعقوب، جبل الطويل، بالاضافة إلى بيت إيل.
التحدي الثامن:
أصبحت المدينة جزء من نسيج عمراني يشمل أكثر من تسعة تجمعات سكانية ولكن ما زالت هذه التجمعات تخطط كل واحدة على حدة
فتجد أن رام الله والبيرة وبيتونيا هي منطقة سكنية واحدة غير مفصولة جغرافياَ وتبعها بعد النمو السكاني تواصل بعض القرى المحيطة مثل بيتين وسردا وأبو قش وعين قينيا وكفر عقب ومخيم قلنديا والجلزون.
بالرغم من تواصل وتكامل هذه التجمعات السكانية إلا أن كل واحدة منهم تقوم بعمل مخطط هيكلي مستقل بمرجعيات مختلفة. كان الأجدى والأفضل وضع مخطط هيكلي متكامل واحد يشمل هذه التجمعات.
الملخص
وفي نهاية سرد التحديات أود التعليق على إذا ما كان المخطط الهيكلي المطروح الآن من قبل بلدية البيرة قد أجاب على هذه التحديات أم لا. فجوابي هو أنه بالرغم من كل الدراسات التي أعدت تمهيداً لهذا المخطط الهيكلي إلا أن الدارس لهذا المخطط لا يجد أنه أجاب أو طرح حلول للتحديات التي تواجه المدينة.
وتستطيع تلخيص المخطط الهيكلي المطروح على أنه نسخة فنية غير متقنة جَمعت المخططات التفصيلية لبعض أجزاء من المدينة والتي أُنتجت خلال الخمسة عشر سنة الفائتة على مخطط واحد.
أما محاولة المخطط الهيكلي المطروح لتوسيع بعض الشوارع في المدينة، فتجد أن هناك رفض جماهيري لها وذلك بسبب عدم عدالتها. فبالرغم من ضيق شوارع المدينة وصغرها وأن مساحة هذه الشوارع لا تتجاوز 19% من مساحة المدينة مقارنة بالشوارع والمرافق العامة في المدن والتي تشكل مساحتها ما يعادل 30% من مساحة المدينة، ألا أن محاولة توسيعها جوبهت بالرفض للأسباب التالية:
أشكال قطع الأراضي الغير منتظم جعل أثر توسيع الشوارع سيئة على إمكانية تطوير هذه الأراضي وجعل نسب الإقتطاع تختلف بين قطعة وأخرى وهذا إجراء غير عادل.
لجوء المخطط إلى الأسهل والأرخص جعله يميل إلى التوسيع في الجهات ذات الانحدار الأقل وجعله يوسع الشوارع في الأراضي التي لم تُبنى أسوارها بعد. وهذا إجراء غير عادل.
لم تشرح البلدية للمواطنين بعض الميزات التي تحصل عليها بعض القطع بعد توسيع شوارعها من إمكانية حصوله على سكن أ مرتفع أو مباني عالية مما يزيد من قيمتها.
المشاكل الإدارية والنزاعات داخل البلدية جعلت هذا المخطط كالطفل اليتيم لا يوجد من يدافع عنه ويتبناه، فيُعدّله ويوجهه بالإتجاهات الصحيحة.
التوصيات
إن النقاش الجماعي والجماهيري والتوافق بين مكونات المدينة على التحديات التي تواجهها المدينة يؤدي إلى وضع توصيات وحلول لهذه التحديات وعمل مخطط هيكلي مبني على رؤيا لمواجهة هذه التحديات والنهوض بالمدينة للسنوات القادمة.