د. أمجد غانم – أمين عام مجلس الوزراء

منذ بدء عملها، تواجه الحكومة الفلسطينية الحالية (الحكومة الثامنة عشرة التي تشكلت في نيسان إبريل 2019)، ظروفاً سياسية واقتصادية داخلية وخارجية معقدة وبالغة الصعوبة فرضها الاحتلال مدعوماً بالإدارة الأمريكية ضمن تحالف أنتج ما يسمى “صفقة القرن”، الخارجة عن القانون الدولي والاتفاقيات الموقعة. وارتبط بهذه الصفقة حصار سياسي ومالي أمريكي، وقرصنة إسرائيلية للأموال الفلسطينية، واعتداءات مستمرة لسرقة الأراضي والعقارات وهدم المنازل وتعطيل مشاريع التنمية سيما في القدس ومحيطها. وفي هذا العام جاءت أزمة الجائحة العالمية “فيروس كورونا – كوفيد 19” التي تطوّر فهمُنا لطبيعتها وحجمها وتأثيرها علينا بشكل سريع ومتراكم خلال الأشهر القليلة الماضية. رغم صعوبة هذه الظروف، تعمل القيادة والحكومة الحالية بجد وثبات واستباقية وبجهود موظفيها على تقديم الأفضل للمواطنين وتثبيت الحق الفلسطيني. وفي ظل هذه الأزمة الأخيرة، انتهجت فلسطين نموذجاً مرناً خاصاً بإدارة الأزمات، يأخذ بعين الاعتبار الخصوصية الفلسطينية كأرض محتلة محدودة الموارد، وليتيح هذا النموذج دوراً فعالاً لكل مستوى من مستويات إدارة الأزمة، وما انبثق عنها من لجان، وأجهزة تنفيذية حكومية وشعبية، كل ذلك بالشراكة مع كافة الجهات المعنية (stakeholders) الداخلية والخارجية، وبالمحافظة على سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان. في هذه الورقة استعراض لهذا النجاح الإداري وما استخلصناه من دروس وعبر لمواجهة أي قضايا مستقبلية.

نشرح في هذا المقال الموجز نموذج إدارة الأزمة من منظور فلسطيني، وعناصر الاستراتيجية وخصائصها، والإجراءات الإدارية المرتبطة بها، ومعايير التنفيذ والدروس المستفادة، ويمثل هذا النموذج نهج الحكومة وأداءَها في التعامل مع الجائحة منذ منتصف كانون الثاني (يناير) وحتى 25 أيار (مايو) 2020.

مبادئ استراتيجية مواجهة الوباء

لنجاح تطبيق الإستراتيجية الوطنية لمكافحة وباء الكورونا، حددت الحكومة عدة مبادئ أخذت بعين الاعتبار هدف الإستراتيجية القائمة أولاً على منع وصول الوباء إلى فلسطين والحد من انتشاره للمحافظة على صحة المواطنين وأرواحهم، وكذلك احتياجات جميع الشركاء، ومن خصائص هذه الاستراتيجية الاستباقية التي أدت الى توقيت القرارات بما يخدم المواطنين ويحد من تفشي الوباء (بُعد نظر). ومن ميزات هذه الاستراتيجية التواصل الفعال مع جميع الجهات على الصعيد الوطني والدولي، وتشمل جميع الأجهزة الحكومية المدنية والأمنية والقطاع الخاص والمجتمع المدني والجهات الدولية. والمرونة في اتخاذ القرارات التي ركزت على منع تفشي الوباء وخفض البيروقراطية الإدارية وإصدار القرارات بالسرعة اللازمة وتخصيص الموارد المالية المطلوبة دون تأخير، مع المحافظة على عجلة الحياة اليومية بالحد الأدنى. ولتحقيق مبدأ الشفافية، فقد تم تزويد المعلومات للجمهور بشكل دقيق ومتواصل بشأن حالة الوباء وجميع القرارات والتوجيهات المتخذة للتصدي له، مما أدى الى منع الإشاعات وطمأنة المواطنين حيث تم عقد أكثر

من 100 مؤتمر صحفي، وأصدرت لجنة المتابعة اليومية 85 تقرير متابعة حتى الآن، وارتبط بذلك الإنسيابية والوضوح في اتخاذ قرارات يتبعها تعليمات وإجراءات تنفيذية ومسؤوليات وصلاحيات مُمكّنة للجهات المختصة ليتمكن الجميع من تنفيذ ما هو مطلوب منهم في الوقت المحدد وفي ظل سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان. وقد تمت الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في مكافحة هذا الوباء على الصعيد الإقليمي أو العالمي.

المعايير الأساسية لنموذج إدارة الأزمة

مثّلت مبادئ استراتيجية مكافحة وباء الكورونا في فلسطين الأسس السليمة التي بُنيت عليها معايير الإستراتيجية والتي تم تطبيقها بنجاح وفقاً لهذه المبادئ، ووفقاً لآليات تنفيذية ارتبطت بمسوؤوليات وصلاحيات محددة على الأرض تكاملت فيما بينها لتعطي نتائج إيجابية. لقد انسجمت معايير إدارة الأزمة مع الممارسات الإدارية العالمية لإدارة الأزمات، وشملت:

  1. القيادة الفاعلة لإستراتيجية مواجهة الأزمة – مستويات إدارة الأزمة وهيكلها.
  2. المرونة في العمليات الحكومية الإدارية والصحية واستمرار تقديم الخدمات الأساسية.
  3. الحفاظ على سلاسل تزويد الأدوية والأغذية ومراقبة الأسواق.
  4. الإعلام والشفافية وتوفير المعلومات الصحيحة للمواطنين بشكل يومي.
  5. الجهود الأمنية وتطبيق القرارات ميدانيا للحفاظ على بيئة آمنة ضمن سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان.
  6. تكامل الشراكات مع المجتمع المدني والقطاع الخاص والدول المانحة.

القيادة الفاعلة لاستراتيجية مواجهة الأزمة – مستويات وهيكل إدارة الأزمة

استجابت القيادة السياسية الفلسطينية بشكل استراتيجي مبكّر لمواجهة تداعيات انتشار الجائحة عالمياً، حيث تم إعلان حالة الطوارئ بالمرسوم الرئاسي الأول يوم 5 آذار (مارس) 2020، والذي تم تجديده لمدة شهر آخر، وثم إعلان الحالة مرة أخرى بتاريخ 5 أيار (مايو) 2020 ولمدة شهر.

ومنذ بوادر ظهور الوباء وانتشاره عالمياً سيما في الصين، نهاية العام 2019، بدأ مجلس الوزراء الفلسطيني، منتصف كانون الثاني (يناير) 2020، بمتابعة حالة الوباء العالمي بشكل مستمر، وأدركت القيادة الفلسطينية خطورته وأهمية اتخاذ تدابير استباقية تمنع وصول الفيروس الى فلسطين وتحد من انتشاره. ومنذ البداية وبعد صدور المرسوم الرئاسي الأول بشأن حالة الطوارئ، تم تشكيل هيكل لإدارة الأزمة (مخطط (1)) مؤلف من 3 مستويات رئيسة متصلة لإتخاذ القرارات على المستوى الوطني والمحلي في المحافظات، مدعومة بهياكل مؤسسية تنسيقية وإعلامية وأمنية، تجعل من قضية الوباء شأناً وطنياً يشارك الجميع في مواجهته، وهي: المستوى السياسي ممثلاً بالرئيس ورئيس الوزراء والقيادة السياسية، وهم من يقع على عاتقهم اتخاذ القرارات الجوهرية مثل إعلان حالة الطوارئ، ولجنة الطوارئ الوطنية برئاسة رئيس الوزراء، ومؤلفة من عدد من القيادات السياسية وعدد من الوزراء ذوي الاختصاص.

تألف المستوى التنفيذي من عدة أطراف منها الأجهزة الحكومية المدنية والأمنية وجهات الاختصاص القادرة على تنفيذ خطة الحكومة لمواجهة الأزمة مثل وزارة الصحة والإقتصاد والزراعة والعمل والتنمية الاجتماعية والمواصلات والإتصالات، وشمل هيكل إدارة الأزمة لجان طوارئ المحافظات بقيادة المحافظ في كل محافظة، وعضوية مديري مديريات وزارات الاختصاص في المحافظات إضافة الى رؤساء الدوائر الأمنية في المحافظات. وتم متابعة حالة الطوارئ من خلال لجنة مؤلفة من المساعد الأمني لوزير الداخلية وممثلي عدد من وزارات الاختصاص مثل الصحة والزراعة والإعلام والمواصلات والإقتصاد والخارجية والعمل والشرطة والدفاع المدني.

وشمل هيكل إدارة الأزمة، الخلية الإعلامية بقيادة الناطق الرسمي للحكومة وعضوية الإعلاميين من وزارة الصحة والداخلية، وكذلك منظومة الشركاء المحليين التي شملت المجتمع المدني، والقطاع الخاص (جمعية الفنادق، المستشفيات الخاصة والأهلية)، والمؤسسات الإعلامية، والنقابات (نقابة الأطباء)، والاتحادات (اتحاد عمال فلسطين)، حيث يقع على عاتقهم دور تكاملي وإسناد لقيادة الأزمة ودعمها المعنوي والمادي، إضافة للشركاء الدوليين من دول عربية وصديقة ومنظمات دولية داعمة لتقديم الخبرات والدعم المالي والمساندة في مواجهة الأزمة من خلال المؤسسات العالمية مثل منظمة الصحة العالمية (WHO).

مرونة العمليات الحكومية الإدارية والصحية واستمرار الخدمات الأساسية

اتخذت الحكومة في جلساتها العادية والطارئة  أكثر من 60 قراراً للتعامل مع احتياجات الأجهزة الميدانية والمواطنين لمواجهة الفيروس والآثار المترتبة عليه في المراحل المختلفة لانتشار الفيروس ومن اللحظة الأولى لاكتشافه، ونلخص أدناه بعضاً من هذه القرارات والإجراءات.

قامت وزارة الصحة بجهود كبيرة في مكافحة الوباء وبدعم وتوجيه مباشر من رئيس الحكومة، ومن ذلك تخطيط الخرائط الوبائية وتحديثها بشكل يومي وفحص العينات في جميع محافظات الوطن، وجميع القادمين من دول العالم للتأكد من خلوهم من الوباء وتنسيق ذلك مع الأردن ومصر وفق آلية متفق عليها لمواجهة الوباء على معبري الكرامة ورفح. وتم تجهيز مناطق حجر صحي لعلاج المصابين، وإعداد البروتوكولات الصحية للتعامل مع المصابين ومحيطهم، واتخاذ ما يلزم من إجراءات لتجهيز الطواقم الطبية بما يشمل إجراءات السلامة العامة، وإصدار التعليمات اللازمة لكيفية التعامل مع الفيروس وتعميمها على جميع مرافق الدولة والمنشآت، واتخاذ الإجراءات اللازمة للحجر الصحي لأي مواطن تواصل مع مصابين بفيروس كورونا.

وتم بشكل منسق مع الصحة إلغاء حجوزات الفنادق لجميع رعايا الدول التي ينتشر فيها الفيروس، وتعميم قائمة هذه الدول على الفنادق بشكل مستمر، وقامت وزارة الخارجية بالتواصل مع سفراء وقناصل وممثلي هذه الدول لاتخاذ ما يلزم من إجراءات للمحافظة على سلامة رعاياهم وعودتهم إلى بلادهم.

وتم تعطيل كافة المدارس والجامعات ورياض الأطفال خلال فترة الطوارئ، وتأجيل أي مؤتمرات مقررة الانعقاد في الأراضي الفلسطينية، وتوقف سفر المسؤولين، ومُنع التجمع أو التجمهر، ومُنع التنقل بين المحافظات، وتم إغلاق جميع المديريات في المحافظات ما عدا مديريات الصحة والمالية والاقتصاد والتنمية الاجتماعية والشؤون المدنية، مع استمرار العمل في المقار الرئيسية للدوائر الحكومية بالحد الأدنى من الموظفين لإنجاز القضايا التي تهم المواطنين والمرتبطة بسير الحياة اليومية. ومُنح رؤساء الدوائر الحكومية صلاحية إصدار أذونات الحركة والتنقل الخاصة بموظفيهم، ومُنح المحافظون صلاحية إصدار أذونات الحركة والتنقل للقطاع الخاص والأهلي لتقديم الخدمات الأساسية مثل مزودي خدمات الاتصالات والإنترنت، وخدمات القطاع الزراعي، ومصانع الأدوية والأغذية وما يرتبط بها، ونقل البضائع للتصدير والاستيراد. وتم نشر قوات الأمن والشرطة وبقية الأجهزة الأمنية، في مختلف المدن ومداخلها حفاظاً على الأمن العام وتطبيق كامل الإجراءات مع بقاء حرية التنقل متاحة للقضاة، وإتاحة التنقل للمحاميين المزاوليين فقط.

في الجانب المالي، خصص مجلس الوزراء مبلغ (100 مليون شيقل) كموازنة طارئة لتغطية احتياجات التعامل مع الوباء، والأخذ بعين الاعتبار في قانون الموازنة الأثر المالي المتعلق بتأثر فلسطين بفيروس كورونا وانعكاساته على مختلف القطاعات الاقتصادية، مع ضمان التدفق النقدي الأسبوعي لوزارة التنمية الاجتماعية بشكل منتظم لتغطية احتياجات (50 ألف أسرة) انضمت إلى نظام المساعدات خلال هذه المرحلة الصعبة. كذلك، تم إنشاء صندوق “وقفة عز” بقرار من رئيس الوزراء من مجموعة من رجال الأعمال لتنظيم جمع التبرعات في صندوق واحد ليتم صرفها على الاحتياجات الطبية والاجتماعية والعمال الذين توقف عملهم، وتم تعميم رقم حساب بنكي خاص بإيداع التبرعات المقدمة من الجمهور لمواجهة فيروس كورونا ليتسنى لهم الدعوة للتبرع عبر هذا الحساب.

شكّلة قضية العمال في الداخل إحدى القضايا الجوهرية في مكافحة الوباء، لذلك قامت وزارة العمل بالتعاون مع هيئة الشؤون المدنية والأجهزة الأمنية بمتابعة حركة العمال والإشراف على دخولهم وخروجهم، وإجراء الفحوصات لهم وتقديم التوعية لهم. أمّا العمال في السوق الفلسطيني، فقد أشرف وزير العمل الفلسطيني، بناءً على طلب مجلس الوزراء، وبالتنسيق مع الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، على إعداد وتوقيع اتفاقية مع أصحاب العمل من القطاع الخاص لضرورة الالتزام بحقوق العمال المحليين خلال حالة الطوارئ وإجراءات الحجر الإلزامي، وعدم إنهاء أعمالهم بل دفع رواتبهم كاملة أو نصف راتب على الأقل خلال هذا الظرف الطارئ الذي تمر به البلاد، واعتبار انهاء عمل أي موظف خلال هذ المرحلة عملاً مخالفاً للقانون.

وشكلت الحكومة لجنة اقتصادية لإعادة العمل، حيث قامت بإجراء الدراسات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وتقييم الآثار المترتبة على حالة الطوارئ، وتقديم الحلول لمعالجة الآثار، حيث قدمت اللجنة مجموعتين من التوصيات التي تحولت الى إجراءات في الميدان.

وعملت وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع وزارات الاختصاص (الصحة، والداخلية، والحكم المحلي، والمواصلات)، وبالشراكة مع الأمانة العامة لمجلس الوزراء على إعداد خطة محكمة لعقد امتحان الثانوية العامة في موعده ضمن الإجراءات الصحية الصارمة. وتم ذلك من خلال لجنة شُكلت لهذه الغاية والتي عقدت اجتماعات مهمة نتج عنها أيضاً خطة مخاطر وكيفية التعامل معها.

الحفاظ على سلاسل تزويد الأدوية والأغذية ومراقبة الأسواق

عملت الحكومة على ضمان استمرار تدفق المواد الغذائية والدوائية للأسواق حيث استثني من إجراءات الإغلاق محلات البقالة والمواد التموينية والصيدليات والمخابر ومصانع الأدوية والمُكمّلات الصحية ومصانع الأغذية، وتم السماح بالحركة والتنقل للمواطنين داخل المحافظات أثناء النهار من الساعة العاشرة صباحاً وحتى الخامسة مساءً للتزوّد بالمتطلبات الأساسية. وتم إعطاء حرية الحركة للشاحنات بين المحافظات لنقل المواد الدوائية والصحية والمواد الغذائية من مستودعات تخزينها أو أماكن إنتاجها من المَزارع إلى محلات البيع. وكذلك تم السماح بنقل البضائع من وإلى المعابر وبين المحافظات لأغراض الاستيراد والتصدير، حيث قامت الأجهزة الأمنية المكلفة بضبط إيقاع الحركة أثناء النهار وفق هذه الإجراءات وتصاريح الحركة والنقل الصادرة عن المحافظين.

وقامت الأجهزة الحكومية في المديريات في المحافظات بمراقبة توفر المواد الأساسية من أغذية وأدوية، وعملت طواقم وزارات الاقتصاد والزراعة والصحة والمواصلات على تنسيق استمرار وصول وتوفر المواد في الأسواق، كما عملت على إعلان قوائم الأسعار لهذه السلع ومراقبة صلاحيتها وأسعارها من خلال الزيارات الميدانية العشوائية للمحال التجارية، واتخاذ الإجراءات بحق المخالفين بدعم وتنسيق مع النيابة العامة والشرطة.

الإعلام والشفافية وتوفير المعلومات الصحيحة

لتعزيز الشفافية وتوصيل المعلومات للجمهور بشكل متواصل، شكل رئيس الوزراء منذ اليوم الأول للأزمة خلية إعلامية برئاسة الناطق الرسمي باسم الحكومة تضم الأجهزة المختصة وخبراء في وسائل التواصل الإجتماعي (social media)، وعقدت اللجنة اجتماعات يومية لمناقشة التطورات والاقتراحات ولقاء الضيوف على وسائل الإعلام لتوعية المواطنين حول سُبل الوقاية ومكافحة المرض في ظل عدم وجود علاج له، وتلمس نبض المواطنين والاستماع إلى ملاحظاتهم والإجابة عليها ونقلها لذوي الاختصاص، وتوجيه رسائل للتجار لضبط الأسعار، وتعزيز الثقافة الصحية لديهم والسلوكيات السليمة لمنع العدوى، واهتمت اللجنة بالتحذير الدائم من الشائعات وحصرها ومحاربتها بالمعلومة الصحيحة من مصدرها، وتزويد الصحفيين بالمعلومات الموثوقة وتعزيز التواصل معهم، والذي أدّى إلى تجفيف منابع الاشاعات والأخبار المفبركة والكاذبة من بداية مواجهة الوباء.

وبالإضافة إلى المؤتمرات الصحفية المفصلية التي عقدها رئيس الوزراء ليشرح فيها القرارات الرئيسية حول الأزمة والإتجاهات المستقبلية، فقد عقد الناطق الإعلامي بمشاركة وزارة الصحة والداخلية أكثر من 100 مؤتمر صحفي بمعدل مرتين يوميا لإطلاع الناس على ما يستجد من معلومات حول الإصابات بالوباء وكيفية تعامل الحكومة مع الشؤون الداخلية والخارجية ذات العلاقة. ولمزيد من الشفافية حول عمل الوزارات أثناء الجائحة، استضاف الناطق الإعلامي الوزراء جميعهم خلال مؤتمراته الصحفية ليقدموا بيانات ومعلومات تفصيلية تهم المواطنين، وللإجابة على أسئلة الصحفيين.

 بيئة آمنة ضمن سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان

قامت الأجهزة الأمنية بقيادة رئيس الوزراء/ وزير الداخلية بتشكيل خلية أزمة منعقدة على مدار الساعة مكونة من رؤساء الأجهزة الأمنية لإدارة الحالة الأمنية في فلسطين، حيث تم نشر الحواجز الخارجية على كافة مداخل المدن والقرى وتأمينها لضمان الإغلاق والسيطرة من خلال حواجز ثابتة داخل المدن من الشرطة والأمن الوطني والمخابرات والاستخبارات والأمن الوقائي للحفاظ على الأمن الداخلي والحد من حركة المواطنين. وتم تسيير دوريات مشتركة بنظام القواطع، وتم نشر قوات الأمن في محيط أماكن الحجر الصحي في كافة المحافظات.

تابعت الأجهزة الأمنية ميدانياً تنفيذ تعليمات رئيس الوزراء بالإغلاق وفقاً لحالة الطوارئ التي تمر بها البلاد، حيث عملت الأجهزة كافة وشرطة السياحة على إخلاء كافة المحافظات من السياح الأجانب وتأمين سلامتهم وعودتهم، ومتابعة ضبط وحفظ الأمن في أماكن الحجر الصحي بجميع المحافظات، ومتابعة أي بلاغات عن مخالطين محتملين لمصابين، وضبط تنقل العمال من وإلى الداخل بالإضافة إلى مراقبة المحال التجارية بالتنسيق مع جهات الاختصاص لضبط الالتزام بالتسعيرة الرسمية من وزارة الاقتصاد، وقامت الأجهزة الأمنية وبالتعاون مع جهات الاختصاص بإتخاذ الإجراءات بشأن بعض المنتجات والسلع الفاسدة.

والتزمت أجهزة إنفاذ القانون بالمحافظة على التطبيق السليم للقانون والنظام والقرارات الصادرة عن الرئيس ورئيس الوزراء ومجلس الوزراء بالتزامٍ تام باحترام حقوق الإنسان، وعلى الرغم من بعض الإشاعات والانتقادات التي ظهرت إلا أن الحكومة كعادتها تمتعت برحابة صدر واستمرت سياستها بحماية الحريات والتعبير عن الرأي، وتم توضيح وجهات النظر حول الآراء المختلفة بمزيدٍ من توعية الجمهور والشفافية والمعلومات الدقيقة. وخلال المؤتمرات الصحفية اليومية صباحاً ومساءً قدمت الحكومة نموذجاً إيجابياً في التعامل الإعلامي وحرية الرأي والصحافة الناقدة.

تكامل الشراكات مع المجتمع المدني والقطاع الخاص والدول المانحة

أوضحت الحكومة منذ البداية أن أزمة كورونا ليست قضية قطاعية تديرها وزارة الصحة وحدها، وإنما قضية وطنية تشاركية تهُم القطاعات جميعها، وعمل رئيس الوزراء على تكامل الشراكة بين كافة مؤسسات الدولة وتكاتف الجهود، والاستثمار في العمل التطوعي للشباب خلال هذه الأزمة التي تواجهنا، إضافة الى زيادة حملات التوعية المجتمعية للوقاية والحد من انتشار الفيروس.

وبالشراكة مع القطاع الخاص أُنشِئ صندوق «وقفة عِز» لمساعدة الفئات المحتاجة في المجتمع ودعمها، والذي جمع حوالي (60 مليون شيقل) تم توزيعها على الفئات المستهدفة. وكذلك تم العمل مع سلطة النقد والبنوك لإنشاء صندوق بقيمة (300 مليون دولار) لدعم الشركات المتوسطة والصغيرة للمحافظة على استمرارية أعمالها.

واجتمع دولة رئيس الوزراء وأعضاء من الحكومة مع مؤسسات القطاع الخاص؛ شاملاً المجلس التنسيقي للقطاع الخاص ومركز التجارة الفلسطيني واتحاد الصناعات، ومع الاتحادات والنقابات ومديري المستشفيات الخاصة والأهلية واتحاد الفنادق (والذين وضعوا كافة مستشفياتهم وفنادقهم تحت تصرف الحكومة) لتحقيق التكامل بين القطاعين الخاص والعام في مواجهة الأزمة دون مبالغة أو استهتار بخطورة الوضع، ولخلق حالة توازن بين الإحتياجات الصحية للمواطنين والمتطلبات الاقتصادية.

وتم تشكيل لجان شعبية من القوى وفصائل العمل الوطني في مختلف المحافظات (المدن والقرى والمخيمات) للمساهمة في الجهد الوطني لمكافحة الجائحة تحت عنوان “بتعاوننا ووعينا سنهزم كورونا”، لرفد الجهد الحكومي بأعمال مهمة شملت تعقيم السيارات والمراكز العامة، وتوجيه حركة العمال، وتوفير الطرود الغذائية للفئات المحتاجة لا سيما في المناطق الأكثر تضرراً.

وبسبب الظروف المالية الصعبة التي يفرضها الاحتلال، تواصلت الحكومة بشكل مكثف مع الجهات المانحة للحصول على الدعم المالي اللازم لمواجهة الوباء، وتمكنت من الحصول على دعم من عدد من الدول مثل دولة قطر بقيمة (10 ملايين دولار)، والكويت بقيمة (5.5 مليون دولار،) والصناديق العربية والإسلامية بقيمة (5.5 مليون دولار)، ودعم تجهيزات من المملكة العربية السعودية بقيمة (3 ملايين دولار)، ودعم بواسطة منظمة الصحة العالمية بقيمة (4.7 مليون دولار)، والوكالة الفرنسية AFD بقيمة(1.3 مليون دولار)، بالإضافة إلى جهات أخرى متبرّعة محلية ودولية، حيث بلغ مجموع المساعدات المالية والعينية الملتزم بها من قبل كافة الأطراف المحلية والدولية حوالي (40 مليون دولار)

الدروس المستفادة

  1. برغم أن القرارات الحكومية لمواجهة الحالة أدت الى تقييد الحركة وإغلاق المنشآت ووقف الحالة الاقتصادية عموماً، إلا أنها لم تَحدْ من حرية الرأي وحافظت على سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، ولهذا خلقت درجة عالية من الرضا والطمأنينة لدى المواطنين والمؤسسات (رضا المواطنين تجاوز 80%) وذلك بسبب الإجراءات الاستباقية والقانونية التي أدت الى انحسار الوباء والسيطرة عليه وما رافقها من تواصل وشفافية مع جميع الفئات. الدرس المستفاد: الاستباقية والتواصل الفعال والشفافية واحترام سيادة القانون هي السبيل المناسب لكسب تأييد المواطنين والمؤسسات والتزامهم بخطوات الحكومة وإجراءاتها.
  2. كما هو الحال في معظم دول العالم لم يكن هنالك معرفة كافية بطبيعة الفيروس، إلا أن الأجهزة الصحية الفلسطينية عملت بمختلف طواقمها لمواجهة الوباء بما لديها من إمكانيات، وبدعم مباشر من مجلس الوزراء، وتمكنت من توظيف أعداد جديدة في الجهاز الصحي والتدريب المكثف والتنسيق مع المؤسسات الحكومية والأكاديمية لتوفير الطرق الصحيحة لرسم الخرائط الوبائية والمعدات اللازمة، والدعم الأمني للحد من تأثر الوباء. وهذا يشكل مصدر إلهام للعمل المشترك والتنسيق المتواصل بين كافة أجهزة الدولة لتطوير القدرات وتوفير الإمكانات اللازمة بسرعة عالية. الدرس المستفاد: التدريب والتعاون البنّاء والمشترك الموثق بين مختلف الجهات أدى الى النجاح.
  3. التكافل الاجتماعي والتبرع بالجهد والمال من المواطنين على مستوى الوطن والمحافظات، وتشكيل لجان الطوارئ الشعبية والفصائلية لمساندة الأجهزة الحكومية كان أحد الجوانب المضيئة من أبناء شعبنا، وهي بحاجة الى الاستدامة من خلال تشجيع وتحفيز هذه القيم. الدرس المستفاد: ضرورة تشجيع المبادرات الشعبية وتنظيمها من كافة الجهات وتكريم وشكر القائمين عليها.
  4. تبين أن مواجهة هذا الوباء تحتاج الى الانضباط العالي والالتزام بالبروتوكولات الصحية والتعليمات والارشادات الرسمية، ومع ذلك تم ملاحظة وجود بعض الظواهر المخالفة لتعليمات الحكومة وإجراءات الحد من انتشار الفيروس مثل بعض حالات التجمهر. الدرس المستفاد: الحاجة لمزيد من الإجراءات الصارمة بحق المخالفين ومزيج من الردع والتوعية للحد من أي سلوكيات أو تصرفات سلبية.
  5. لقد اتضح التفاوت في إمكانيات ممارسة التعلم عن بُعد بين الجامعات والمدارس، فقامت الجامعات بتذليل العديد من الصعوبات المرتبطة بالجوانب الفنية لتطبيق عملية التعلم، وطبقتها بالرغم من ضعف السيطرة على بعض عناصرها مثل جودة وسائل الاتصال لدى الطلبة ونسبة حضورهم، والتنفيذ المستقل للواجبات والامتحانات. أما في المدارس فكانت العملية ضعيفة ولم تحقق قيمة مضافة يمكن الاستشهاد بها سوى على نطاق محدود في بعض المدارس ولمناهج محددة واجتهادات شخصية غير منظمة. الدرس المستفاد: ضرورة تطوير الجوانب التكنولوجية في وسائل التعليم عن بعد، وقيام جهات الاختصاص بواجباتها تجاه بناء القدرات في التعليم عن بعد في الجامعات والمدارس.
  6. استناداً إلى مقولة “الحاجة أم الاختراع” فقد بادرت بعض مختبرات الجامعات الفلسطينية بإنتاج أجهزة تنفس لمساعدة مرضى كورونا، وهذا مؤشر إيجابي على توفر الموارد البشرية المؤهلة، ولكن كما هو الحال في معظم الدول النامية، فقد تبين خلال الازمة مدى الضعف في مأسسة البحث العلمي وعدم القدرة التكاملية على الإنتاج والابتكار بالسرعة الكافية. الدرس المستفاد: لا بد أولاً من توحيد الجهود وتجميعها وتشجيعها بشكل متكامل، وثانياً توفير الموازنات الكافية للمختبرات ودوائر البحث العلمي والإنتاج الابتكاري وتركيز الموارد البشرية اللازمة تحت سقف مؤسسي واحد.
  7. أظهرت هذه الأزمة ضرورة بناء نظم وقواعد بيانات، حيث اتضح أن قواعد البيانات لدى جهات الاختصاص غير مكتملة وغير مترابطة ولا يمكن الاعتماد عليها بشكل كامل، وان النظم الإلكترونية الضرورية غير متاحة بشكل فوري وكافٍ، وما زال الاعتماد على النظم التقليدية والنماذج الورقية هو السائد. الدرس المستفاد: ضرورة بناء نظم معلوماتية وجغرافية متكاملة وفعالة تتيح المعلومات والتقارير لصناع القرار بيسر وسهولة.
  8. عملت الحكومة منذ بدء الأزمة على تسهيل حياة الناس، ومن ذلك قامت سلطة النقد بالطلب من البنوك تأجيل القروض والشيكات، إلا أن تطبيقها شابه بعض أوجه الخلل ورافقته انتقادات من بعض فئات مجتمع الأعمال. الدرس المستفاد: تحتاج هذه الظروف الى قرارات مبنية على الدراسات والمعايير والأدلة، وان تستند إلى أفضل الخيارات والبدائل المتاحة بحيث لا يكون لها آثار سلبية تصعب معالجتها في المستقبل، وكذلك تفعيل دور الرقابة والقضاء بحق المخالفين.
  9. لقد أدى الوباء الى تراجع الأداء في مختلف القطاعات وإلى انكماش اقتصادي خلال فترة الطوارئ، وهذا يتطلب ضرورة المضي قدماً وفق معايير ودراسات لاتخاذ الإجراءات لتعافي الاقتصاد، من خلال مساعدة القطاعات الأكثر تضرراً، ودعم وتشجيع القطاعات الإنتاجية لتحريك عجلة الاقتصاد بالسرعة الممكنة للحد من الانكماش الاقتصادي الذي حدث خلال فترة الاغلاق. الدرس المستفاد: ضرورة دعم القطاعات الأكثر تضرراً مع التركيز على الأعمال الصغيرة والمتوسطة ووفق معايير تتيح لها القدرة على استمرار التشغيل والإنتاج دون اللجوء إلى تمويل استثمارات جديدة.
  10. إن تخفيف إجراءات مواجهة فيروس كورونا والحد من انتشاره لا تعني انتهاء الوباء والسيطرة الكاملة عليه، ولا بد من الاعتماد على رأي الخبراء والمختصين فيما يتعلق باتجاه انتشار الوباء واحتمال حدوث موجات أخرى منه، والتركيز على جوانب التوعية والإرشاد واعتماد البروتوكول الصحي في الوقاية من الوباء والحد من انتشاره. الدرس المستفاد: عدم الإنجرار لحالة الشعور بانتهاء الوباء، حيث أن الوباء لم ينته عالمياً أو محلياً، ولهذا يجب التركيز على مزيد من التوعية للمواطنين وإلزام المواطنين بالتعليمات الصحية تحت طائلة المسؤولية، بالإضافة الى تبادل المعلومات مع المنظمات الدولية المختصة ومتابعة التوجه العالمي وإجراءاته في السيطرة على الفيروس.
  11. إن إصدار التشريعات الناظمة لحالة الطوارئ من قوانين وقرارات وتعليمات جاء بشكل منسق بين جهات الاختصاص وبصورة تدريجية وفق مقتضى الحال، لتمكين الأجهزة الحكومية من ممارسة المهام المنوطة بها. الدرس المستفاد: ضرورة وجود بيئة قانونية مستدامة وشاملة لتنظيم حالة الطوارئ بكل جوانبها ويتم تفعيل نفاذها في حالات الضرورة.
  12. على الرغم من الاشراقات المضيئة لأداء الحكومة وأجهزتها التنفيذية في مواجهة الجائحة من ناحية المرونة والسرعة والشفافية، إلا أننا ندرك أيضاً وجود مظاهر خلل ظهرت بالمشهد العام خلال الثلاث أشهر الماضية. الدرس المستفاد: ضرورة تنفيذ عملية تقييم شامل لهذه المرحلة من خلال تشكيل لجنة متخصصة لبحث وفحص حالات المخالفات للتعليمات الحكومية وأسبابها بشأن جائحة الكورونا لاستخلاص مزيد من الدروس والعبر القانونية والتنفيذية.

لتحميل الورقة كاملة اضغط هنا