الرئيسية » الاخبار »   20 نيسان 2020  طباعة الصفحة

"الديلفري" صناعة ناشئة تزدهر في زمن الكورونا
 


رام الله – "الأيام": تلتزم السيدة رنا بريك، التي تعيش في رام الله، منزلها منذ إعلان حالة الطوارئ في البلاد، في 5 آذار الماضي، للحيلولة دون تفشي فيروس "كورونا"، وتستعين، مع أفراد أسرتها الثلاثة، بخدمات التوصيل للتزود بكامل مستلزماتهم تقريباً.

وقالت رنا: "تقريباً، أطلب كل ما تحتاجه الأسرة إما عبر الإنترنت أو عبر الهاتف، من المحلات التي أتعامل معها عادة. باستثناء الخضار والفواكه، من الصعب الركون إلى شخص بديل لشرائها. الخضراوات والفواكه هي الوحيدة التي اضطر إلى مغادرة المنزل لشرائها".

في ظل حالة الطوارئ، والقيود على الحركة وإغلاق معظم القطاعات الاقتصادية، خصوصاً تجارة التجزئة، بادرت محلات عديدة لعرض خدمة التوصيل المجاني على زبائنها إلى منازلهم، إضافة إلى وجود شركات متخصصة بتقديم الخدمات اللوجستية، منها ما هو قائم ومنها ما هو حديث، والتي وجدت الفرصة في الظروف التي فرضتها الجائحة.

وقالت رنا: "أفضل خدمات التوصيل من قبل المحلات التي أشتري منها، وليس شركات مهمتها الاستلام والتسليم فقط. الخدمات المباشرة من البائعين أضمن صحياً، وكذلك أكثر قابلية لحل أي إشكالية قد تنشأ، كتبديل بضاعة لم تكن بالمواصفات التي أطلبها"، وبالاجمال، فقد طلبت رنا، الموظفة في إحدى الشركات الكبرى، عديد البضائع خلال فترة الشهر ونصف الشهر من حالة الطوارئ: مواد بقالة، وأجهزة كهربائية، وملابس.

في "زمن الكورونا"، تشهد التجارة الإلكترونية والخدمات اللوجستية، قفزة كبيرة في حجم النشاط، ويبدو أن ظروف الجائحة تؤسس لقطاع اقتصادي واضح المعالم، يرجح أن يستمر ويتوسع وتتضح استقلاليته عن قطاع تجارة التجزئة، وباقي القطاعات الاقتصادية، حتى بعد انتهاء الجائحة.


ولمواجهة تزايد الطلب، قامت شركة "واصل" بتحويل موظفين في الشركات الشقيقة لإسناد موظفي التوزيع لديها، وهي الآن رفعت عدد سيارات التوزيع العاملة قي الميدان في خدمات التوصيل للمنازل إلى 28 سيارة، إضافة إلى شاحنتين لخدمة تجارة الجملة.

وقال عثمان: الجدول اليومي لجميع موظفينا العاملين في خدمات التوصيل مكتظ تماما، وهم يعملون لساعات متأخرة إلى أن يتم منعهم من الحركة في وقت متأخر من الليل، فيما نستعين، يوميا، بشاحنات من خارج الشركة، لمساعدة شاحنتينا في تلبية طلبات تجار الجملة.

هذا مؤشر على وجود حركة شراء نشطة، ومعظم القطاعات تعمل ولو من تحت الطاولة، حتى أن كثيرا من الناس وجدوا في هذه الظروف فرصة لإنشاء مشاريعهم الخاصة في قطاع التجارة الالكترونية، فلا يحتاج الأمر أكثر من صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، واختيار سلعة للترويج لها، والحصول من منتجها على سعر جيد.

بعد مراجعة دائرة العمليات في الشركة، عاد عثمان ليعدد أبرز القطاعات التي شهدت قفزة كبيرة في الطلب "أونلاين": الفيتامينات والأغذية المساندة، والصناعات الدوائية، والأدوات المنزلية، والكزميتكس والعطور، والملابس، في حين بقي الطلب على المواد الغذائية، وفقا لهذه الآلية، قليلا، "نظراً لأن معظم محلات البقالة والمواد الغذائية مفتوحة، ويستطيع المواطنون الخروج لشرائها"، قال عثمان.

ويقدر أحمد الرمحي، مالك ومؤسس شركة "وي ديلفر" للخدمات اللوجستية والتوصيل، الزيادة في حجم أنشطة "الدلفري" بأكثر من 200% خلال شهرين فقط، قال إن "معظمها في قطاع المواد الغذائية، والمستلزمات الطبية، والملابس".

وأضاف: في الأسبوعين الأولين لحالة الطوارئ تراجع نشاطنا إلى الصفر تقريبا، حيث لم تكن الأمور واضحة، لكن بعد الإعلان عن تشديد القيود على الحركة واتضاح أن حالة الطوارئ وما يرافقها من إجراءات ستطول، بدأ الطلب على خدمات التوصيل يرتفع بشكل متسارع وكبير، وزاد بشكل مذهل، وفي الفترة الأخيرة نتلقى طلبات بأعداد متزايدة من محلات عادية لمساعدتهم في البيع "أونلاين" وتوصيل طلبيات الشراء التي تردهم.

فترة الطوارئ تزامنت مع الأعياد المسيحية، وهذا ما يفسر، بحسب الرمحي، "التزايد الكبير في الطلب على الأدوات والاكسسوارات المنزلية، والتحف والمناظر والهدايا، وهي أحد القطاعات التي حازت على حصة مهمة من المشتريات عبر الانترنت وخدمات التوصيل".

وكحال "واصل" وباقي الشركات العاملة في هذا المجال، قال الرمحي ان شركته ""وي ديلفر""، اضطرت إلى رفع عدد موظفيها العاملين في خدمات التوصيل، برفدهم بسبعة موظفين، ليرتفع عدد العاملين في خدمات التوصيل لدى الشركة إلى نحو عشرين، وقال الرمحي إنه "بصدد تعيين ثلاثة آخرين هذا الأسبوع لمواجهة الطلب المتزايد على الخدمة".

القفزة في التجارة الالكترونية و"صناعة "الديلفري" في فلسطين في ظل جائحة كورونا تعكس قفزة مذهلة في هذا القطاع على مستوى العالم، إذ يعيش نحو 5 مليارات إنسان في ظروف عزل تتفاوت شدتها من بلد إلى آخر، ما اضطر شركات عاملة في خدمات النقل التشاركي للركاب لتوسيع أنشطتها لتشمل خدمات توصيل السلع.

وقال إبراهيم مناع، مدير عام الأسواق الناشئة في شركة "كريم"، ومقرها في الإمارات العربية المتحدة، وتنشط في معظم دول الشرق الأوسط، وكذلك في قطاع غزة: "كانت خدماتنا تقتصر على نقل الركاب، باستثناء الأردن والسعودية، لكن مع ظروف العزل وتوقف الحركة، والارتفاع الكبير في الطلب على خدمات توصيل السلع، حولنا أنشطتنا من نقل الركاب إلى نقل السلع، سواء للمنازل أو لطواقم الأجهزة العاملة بشكل مباشر على تطبيق إجراءات مواجهة "كورونا"، كنقل المعدات والمستلزمات الطبية لقطاع الصحة، ولوازم الأجهزة الأمنية العاملة على تطبيق الإجراءات".

وأضاف: خدمة توصيل السلع باتت تشمل كل الدول والمناطق التي نعمل بها، كدول الخليج، ومصر، والأردن، وقطاع غزة. بتنا نتلقى مئات آلاف الطلبات يومياً في كل منطقة، وهي في تزايد مع اقتراب شهر رمضان، وجميع السائقين الذين كانوا يعملون معنا في خدمات النقل التشاركي للركاب تحولوا إلى توصيل الطلبيات من السلع، أكثر من ذلك، فقد وجدنا أنفسنا بحاجة إلى المزيد من العاملين لتلبية هذا الكم الكبير من طلبات التوصيل، سواء لمواد البقالة العادية، أو أدوية المنتجات الصيدلية، ولوازم رمضان، إضافة إلى تزايد الطلب على نقل البريد للشركات من موظفيها في المنازل إلى مقارها".

وفيما يتعلق بنشاط الشركة في قطاع غزة، قال مناع: "قطاع غزة لم يكن استثناء، حيث لمسنا ارتفاعاً كبيراً في الطلب على خدمات توصيل السلع، إذ ارتفع العدد من بضع طلبات يوميا إلى نحو ألف طلب في اليوم".

في الأسواق العالمية الضخمة، كالولايات المتحدة وأوروبا، تشير المعطيات إلى قفزة خيالية في حجم التجارة الالكترونية و"صناعة الدلفري"، إذ اضطرت شركة "أمازون" الأميركية، وهي واحدة من كبرى شركات التجارة الالكترونية على مستوى العالم، إلى تعيين أكثر من 100 ألف موظف جديد في شهر آذار الماضي، وأعلنت عزمها توظيف 75 ألفا آخرين هذا الشهر لمواجهة الطلب المتزايد على خدماتها في ظل إجراءات العزل، فيما أعلنت شركة "وولمارت" نيتها توظيف 150 ألف عامل جديد، فيما قالت شركة "إنستاكارت" لخدمات التوصيل إنها تنوي توظيف 300 ألف عامل متعاقد جديد، في وقت تشير فيه إحصاءات رسمية أميركية إلى فقدان 17 مليون وظيفة في مختلف قطاعات الاقتصاد الأميركي.
لكن ماذا عن الشروط الصحية، وكذلك الضمانات بعدم غبن المستهلك بتلقي سلع بمواصفات تختلف عن تلك المعلن عنها؟

"قبل أزمة كورونا، كان يصلنا الكثير من الشكاوى من سوء خدمات الشراء عبر الانترنت والتوصيل للمنزل، خصوصا عبر صفحات فيسبوك لمحلات غير معروفة، وأحيانا الصورة لا تطابق الواقع. هذه الشكاوى انخفضت خلال فترة كورونا"، قال صلاح هنية، المنسق العام لجمعيات حماية المستهلك في فلسطين.

وأضاف: غالبا، لا نواجه مشاكل مع المواقع الموثوقة، وفي بعض حالات الخلاف، تمكنا من حل الإشكال وتحصيل حقوق أصحاب هذه الشكاوى . بالنسبة لخدمات التوصيل التي تطورت في ظل أزمة كورونا، فقد طالبنا بوضع بروتوكول خدمات التوصيل للمنازل، وهذا ليس اختراعا، فمنظمة الصحة العالمية وشركات التوصيل في العالم تعتمد هذه المرجعيات، من تعقيم المركبات والدراجات النارية وتعقيم صناديق النقل وتزويد السائقين بالمعقمات ومستلزمات الوقاية، واتخاذ تدابير وقائية لنقل السلع بشكل آمن، ولغاية الآن لم نتلقَ شكاوى بخصوص خدمات التوصيل للمنازل لأن التجربة حديثة".

وقال هنية إن جمعيات حماية المستهلك تقدمت باقتراح للجنة الوزارية المكلفة إعادة تشغيل القطاعات الاقتصادية المتعطلة، بإنشاء شبكة توصيل آمنة وتعتمد الوقاية والإجراءات الصحية اللازمة "حتى نتلافى الازدحام ولا يعود الناس للأسواق بكثافة، كما تابعنا مع وزير النقل والمواصلات كونه جهة اختصاص، لتنظيم هذا القطاع".

في هذا السياق، أكد عثمان أن شركته "واصل" "تتخذ كل التدابير اللازمة لنقل السلع بشكل صحي وآمن، وبما يضمن عدم نقل العدوى" بفيروس كورونا.

وقال: جميع العاملين في خدمات التوصيل مزودون بكمامات وكفوف وستر واقية، كما أن السيارات مزودة بمعقمات للطرود، حيث يتم تعقيم الطرود عند استلامها وتجميعها في مركز العمليات، ومرة أخرى قبل تسليمها إلى الزبون، كما أن جميع السيارات العاملة في الخدمة تعقم مرتين يوميا، مرة قبل بدء عملية التوزيع، ومرة أخرى بعد انتهائها.

صحيح أن التجارة الالكترونية و"صناعة الدلفري" تشهد زيادة كبيرة في ظل جائحة كورونا، لكن يبدو أنها ستحافظ على قدر من هذه الزيادة حتى بعد انتهاء الأزمة.

وقال وزير النقل والمواصلات عاصم سالم: "منذ بداية الأزمة، شجعت الحكومة خدمات التوصيل إلى المنازل سواء باستخدام السيارات أو الدراجات، حتى لا يحتاج المواطنون إلى مغادرتها والإضرار بالإجراءات الاحترازية لمواجهة كورونا، لكن نتوقع فكرا ونمطا استهلاكيا جديدا بعد انتهاء الأزمة".

وأضاف: نتطلع إلى أن تنتج عن ذلك مهنة لها مكانتها بين المهن، وسنعمل على تنظيمها في مرحلة لاحقة".