الرئيسية » الاخبار »   30 آذار 2020  طباعة الصفحة

"كورونا" يفعّل منظومة التكافل الاجتماعي في فلسطين

 

2020-03-30


رام الله – "الأيام": بائع خضار كان يجوب بسيارته شوارع إحدى قرى جنين ينادي على خضاره بأسعار منخفضة، مختتماً نداءه بعرض "هدية مجاناً" لمن لا يملك نقوداً، وأحد المحلات في رام الله، ينشر قائمة سلع لديه بأسعار مخفضة أيضاً، و"دكاكين" شطبت ديوناً على بعض زبائنها غير المقتدرين، فيما بدأت منظمات أهلية تنفيذ آليات "ممأسسة" تضمن وصول المواد الأساسية للمواطنين، تبرعاً أو بربط المزارعين بالمستهلكين مباشرة في بيوتهم، وبأسعار عادلة للمنتج والمستهلك على حد سواء؛ قطعاً للطريق على حالات استغلال برزت هنا وهناك. مبادرات للتكافل الاجتماعي تتدحرج في "زمن الكورونا" تعيد إلى الأذهان حالة التكافل الاجتماعي في الانتفاضة الأولى بين عامي 1987 و1993.

على مدى الأسبوعيْن الماضييْن، حيث طبقت إجراءات الحكومة للحدّ من الحركة للحيلولة دون تفشي فيروس كورونا، وخلالها، تلقت منظمات أهلية تنشط عادة في قطاع الزراعة شكاوى عديدة من مربي الماشية حول محاولات من قبل بعض التجار لفرض أسعار زهيدة للأجبان التي ينتجونها وبيعها للمستهلك بأسعار عالية، ما دفع هذه المنظمات إلى إطلاق مبادرة تضمن سعراً مجدياً للمزارع وعادلاً للمستهلك، سرعان ما انضمت إليها جمعية الإغاثة الزراعية وجمعيات حماية المستهلك.

وقال عباس ملحم، المدير التنفيذي لاتحاد المزارعين، صاحب المبادرة: "تلقينا شكاوى كثيرة من مزارعي الأغوار عن محاولات بعض التجار فرض سعر 10 شواكل ثمناً لكيلو الجبن البلدي على المزارعين، وهو دون سعر التكلفة، بينما يباع للمستهلك بأسعار أعلى من السعر المعتاد، وصل إلى 28 شيكلاً".

وأضاف: أطلقنا مبادرة، عبارة عن حملة تسويق مباشرة "من المزارع للمستهلك" دون المرور بالتجار، بسعر عادل للطرفيْن، ويراعي في نفس الوقت الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد. حوالى 13 شيكلاً من المزارع و16 شيكلاً للمستهلك. الهامش هو أجرة السيارة التي تقوم بعملية النقل وتوزيعه على المستهلكين".

وأضاف: عمّمنا أرقام فروعنا في المحافظات، وأرقام أشخاص للاتصال بهم لحجز الطلبيات، وانضمت إلينا في هذه المبادرة أيضاً جمعية الإغاثة الزراعية وجمعيات حماية المستهلك، حيث أصبحت مكاتب هذه المؤسسات في المحافظات نقاطاً للربط المباشر بين مربي الماشية من جهة والمستهلكين من جهة أخرى".

حتى الآن، تلقت نقاط البيع هذه "طلبيات جيدة"، بحسب ملحم، وكذلك مدير عام الإغاثة الزراعية منجد أبو جيش، وتوقعا سحب 10 أطنان جبن من المزارعين وتوزيعها على أصحاب الطلبيات هذا الأسبوع.

وقال ملحم: التجاوب كبير مع المبادرة، سواء من مربي الماشية أو من المستهلكين. الهدف قطع الطريق على من تسوّل له نفسه من التجار استغلال الظروف التي نعيشها، وإعادتهم إلى أسعار منطقية، بإفهامهم أن هناك من يستطيع التدخل لمنع أي محاولات للجشع".

ملحم وأبو جيش أكدا أن عملية نقل الطلبيات من مربي الماشية إلى المستهلكين تتم وفقاً لإجراءات لائقة تضمن إيصالها بطريقة آمنة من حيث الجودة وشروط السلامة، حتى أنها تفوق كثيراً تلك الإجراءات التي يتبعها عادة التجار.

وقال ملحم: "ساعات قليلة، وأحياناً أقل من ساعة ونصف الساعة، تفصل بين إنتاج الجبن في المزرعة وإيصالها للمستهلك في منزلة، بسيارات تتوفر فيها شروط السلامة اللازمة، فتصل الأجبان إلى المستهلكين بجودة عالية وبطريقة آمنة".

المبادرة انطلقت، أساساً، لحلّ مشكلة مربي الماشية، لكن اتحاد المزارعين وجميعة الإغاثة الزراعية يعملان على توسيعها لتشمل محاصيل أخرى، إذ تعاني جميع المحاصيل الزراعية من إرباكات في سلاسل التوريد إلى الأسواق والمستهلكين، كما أن مزارعي هذه المحاصيل والمستهلكين، على حد سواء، عانوا من استغلال بعض التجار، خصوصاً في الأيام الأولى من فرض الإجراءات المقيدة للحركة.

وقال ملحم: "المبادرة بدأت في قطاع الأجبان لتجنب أزمة خانقة واجهها مربو الماشية، ونعمل على توسيعها لتشمل منتجات زراعية أخرى، خصوصاً الخضار".

وقال، متحدثاً لـ"الأيام" عبر الهاتف، بينما كان يتابع مع مزارعين وأصحاب محال تجارية تفاصيل آلية الربط بين الطرفين: "اليوم (أمس) يباع صندوق الكوسا في الأغوار بـ15 شيكلاً فقط، بينما يصل المستهلك في رام الله على سبيل المثال إلى نحو 60 شيكلاً".

وأضاف: من غير المعقول أن يكون السعر للمستهلك 4-5 أضعاف سعر المزرعة، هذا ظلم للمزارع والمستهلك في نفس الوقت. نحن نتحدث مع أصحاب محلات بيع الخضار بالتجزئة لربطهم مباشرة بالمزارعين، لتكون الطلبيات مباشرة بين الطرفين دون المرور بتجار الجملة، وهم الحلقة التي تتسع فيها الفجوة بين سعر المزرعة من جهة والسعر للمستهلك من جهة أخرى".

وبينما تلعب مكاتب اتحاد المزارعين والإغاثة الزراعية في المحافظات دور "نقاط بيع" وتقوم بنفسها بإيصال الأجبان من المزارعين إلى المستهلكين في بيوتهم، فإن الجزئية الخاصة بالخضار ستكون مختلفة قليلاً، حيث يجري العمل على ربط المزارعين بأصحاب محلات البيع بالتجزئة ليتم حجز الطلبيات وإيصالها مباشرة بين الطرفين.

مبادرة الربط المباشر بين المنتج والمستهلك، سواء في قطاع الأجبان أو الخضار، هي واحدة من أربع مبادرات رئيسية تعمل على تنفيذها جمعية الإغاثة الزراعية، لإسناد الجهود الرامية للتخفيف عن المواطنين في الظروف الراهنة.

إحدى هذه المبادرات، قال أبو جيش، أطلقتها "الإغاثة" مع وزارة الزراعية، وتتمثل بتوزيع مليون شتلة خضار، من مختلف الأصناف، إضافة إلى بذور لزراعة مساحات من حدائق المنازل.

وأضاف أبو جيش: تقديراتنا المشتركة مع وزارة الزراعة، بأن 100 شتلة خضار مشكّلة لكل عائلة، إضافة إلى بعض البذور، لزراعة 100 متر مربع فقط من حديقة المنزل، تكفي أسرة من أم وأب وأربعة أبناء لمدة ثلاثة أشهر".

وتابع: عملية التسجيل للحصول على الأشتال تشهد إقبالاً كبيراً من المواطنين، وسنبدأ بتوزيع الأشتال والبذور خلال ثلاثة أيام".

في مبادرة ثالثة، أطلقت "الإغاثة الزراعية" حملة تبرعات لزيت الزيتون في المناطق وافرة الإنتاج، لمساعدة الأسر المحتاجة في المناطق قليلة الإنتاج.

وقال أبو جيش: بدأنا بتوزيع عبوات سعة 4 لترات في المناطق التي يتوفر فيها إنتاج كبير من زيت الزيتون، لتوزيعها في المناطق التي تعاني من شح بهذه السلعة.

كذلك، تستعد "الإغاثة الزراعية" لإطلاق مبادرة رابعة بجمع طرود غذائية لتوزيعها على الأسر المحتاجة، خصوصاً في التجمعات التي تواجه قيوداً مشددة على الحركة نتيجة ظهور حالات إصابة بفيروس كورونا فيها.

وقال أبو جيش: "نلمس تجاوباً عالياً، خصوصاً من المزارعين، ومعظمهم نعمل معهم منذ سنوات"، مشيراً في هذا السياق إلى تأمين أربع شاحنات محملة بالخضار وجّهت إلى محافظة بيت لحم قبل أيام، فيما يجري العمل على تأمين شاحنة خامسة يتوقع أن تصل إلى بلدة بدّو اليوم أو غداً (أمس أو اليوم).

في أحياء مدينتيْ رام الله والبيرة، على سبيل المثال، تنشط لجان طوارئ بات لديها قاعدة معلومات حول الأسر المحتاجة، إضافة إلى حملات تطوعية لتوعية السكان وتعقيم الأحياء بالتنسيق مع بلديتيْ المدينتيْن.

وقال رئيس جمعية حماية المستهلك في محافظة رام الله والبيرة، صلاح هنية: "هناك حالة من التناغم في المحافظة بين كافة المؤسسات من أجل تسهيل حياة الناس والحفاظ على التزامهم بمنازلهم".

وأضاف: نحن من جهتنا، نتابع شكاوى الناس بخصوص الأسعار، نقوم بمتابعتها وإذا تأكدنا من وجود مخالفة نعمل على إنهائها ميدانياً، وإلا فنحن على تواصل دائم مع وزارتيْ الاقتصاد والزراعة، اللتين تقومان بدورهما بالتدخل واتخاذ الإجراء القانوني المناسب".

منذ بدأت إجراءات تقييد الحركة، وما رافقها من محاولات استغلال من قبل بعض التجار، دأبت حماية المستهلك على نشر قائمة أسعار الخضار والفواكه عبر صفحتها على "فيسبوك"، بالجملة وللمستهلك، وفقاً للأسعار الاسترشادية التي تحدّثها وزارة الزراعة بشكل يومي، ما يساهم بتوجيه المستهلك وتمكينه من تجنب الاستغلال.

وتابع: خلال الأيام الأخيرة، بدأنا نشهد عربات خضار بين البيوت تعرض ما لديها بأسعار منطقية، وحتى أنها تعلن عبر مكبرات الصوت أن من لا يملك نقوداً بإمكانه الحصول على حاجته من الخضار والفواكه مجاناً، فيما بادر كثير من أهل الخير بالتبرع برزم غذائية يجري توزيعها بمساعدة الشرطة".

المبادرات، الفردية والمؤسساتية، لإسناد المواطنين في مواجهة تداعيات جائحة "كورونا" على معيشتهم، رافقتها مبادرات من شركات كبيرة لإسناد جهود الحكومة لمواجهة الجائحة من الناحية الصحية، إذ بادر البنك العربي في فلسطين بتقديم مليون دولار، فيما بادر البنكان "الوطني" و"الإسلامي الفلسطيني" إلى تقديم تبرع مشترك بمليونَيْ شيكل، فيما قدمت شركة الاتصالات الفلسطينية نصف مليون دولار
.