الرئيسية » البيانات صحفية »   16 آذار 2019  طباعة الصفحة

يوم المستهلك ... والحكومة والقطاع الخاص .... صلاح هنية


أكاد اجزم أن رئيس الوزراء المكلف الدكتور محمد اشتية سيكون قريبا من حقوق المستهلك والنظر إليها بشكل عصري متوافق مع مبادئ مرجعيات الأمم المتحدة لحماية المستهلك، والمعايير الدولية لحماية المستهلك التي وضعتها منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية.  
وحتى أكون منصفا لن أضع رئيس الوزراء المكلف في دائرة القوى الخارقة فمن تجربتي المتواضعة فإن عوامل الممانعة أمام حقوق المستهلك كثيرة وتعبر عن ترابط مصالح فالكل من التجار والوكلاء يعزفون على نوتة «اقتصاد السوق» وبالتالي يرون أنه لا أحقية لأي حكومة أو وزير الإعلان عن تحديد وتوحيد الأسعار في السوق، وهم ذاتهم يعزفون على نغمة «نحن أصحاب المقاصة التي تورد للخزينة» وبالتالي لا إمكانية لمقاطعة حكومية للمنتجات الإسرائيلية لأنها مدخل المقاصة وبالتالي دخل السلطة، وهم ذاتهم ينعتون المنتج الفلسطيني بأنه غير مرغوب!! رغم أن جزءا من أرباحهم يتحقق منه وبسببه وهم مساهمون اصيلون في حملات العروض والتخفيضات.
ومن عوامل الممانعة أيضا والتي يجب أن تؤخذ بالحسبان الوكالات التجارية في السوق والتي ترى في دورها عاملا معززا للاقتصاد الفلسطيني خصوصا أنها تعمل على الاستيراد المباشر وتحقق استقلالية للسوق الفلسطينية عبر الوكالات، إلا أن المستهلك بات يرى في جانب آخر من الصورة انها تمكنت من رفع الأسعار عن بقية الأسواق المجاورة للسوق الفلسطينية وهذا ما حدث بخصوص أسعار الأدوية المستوردة الى أن تمكنا مع الالتزام بعدم ارتفاع سعرها عن أسعار الأسواق المجاورة، والأمر لا يختلف بالمطلق عن بقية المنتجات المستوردة.
وهناك ممانعون لحقوق المستهلك ولتنظيم السوق وهم يمارسون نشاطاتهم في كل موسم وكل حين «نشطاء التهريب من السوق الإسرائيلية» وهذا يدخل في نطاقين مضادين لحقوق المستهلك أولا: عدم جودة ما يتم تهريبه ولا مطابقته لأي مواصفة.
ثانيا: ضرب العوائد المالية للخزينة وهذا هدر مالي يساهم فيه أبناء جلدتنا.

جمعيات حماية المستهلك الفلسطيني
جاء تشكيل جمعيات حماية المستهلك الفلسطيني في محافظات الوطن كتعبير عن حاجة قانونية إجرائية تتعلق بضرورة إنفاذ وتطبيق قانون حماية المستهلك الأمر الذي قاد للالتزام بتأسيس هذه الجمعيات كاستحقاق من استحقاقات القانون.
وفجأة وجدنا أنفسنا في الجمعيات لا حول لنا ولا قوة «أين ما وعدت به الحكومة آنذاك لتوفير عوامل البقاء الأساسية؟»، «أين هي إمكانية الحركة لتحشيد الناس حول حقوق المستهلك وصناعة الوعي ولا يوجد من هو متفرغ؟»، «لم نطلب تفرغا ولا تفرغا جزئيا بل طلبنا تصليب عودنا بأسناد من الحكومة حتى نقود المسيرة ولكن بقينا مكاننا».
وما أن بدأنا خطواتنا باتجاه تجسيد فهمنا لحقوق المستهلك وحمايتها وجدنا أنفسنا وسط أمواج من التذمر والغضب، «انتم سقفكم المهني وزارة الاقتصاد الوطني ولا يجوز لكم ذلك»، وعندما ذهبنا للتنسيق صوب وزارة الاقتصاد الوطني بات المهم «إقحامنا في هيكلية الوزارة وكأننا دائرة من دوائرها وعلينا الانضباط!!!!» وبات التلويح باتجاه إلغاء ترخيص الجمعيات أو عدم الاعتراف بنتائج اجتماعات هيئاتنا العامة والإصرار على إعادتها مرة وأخرى.
في نهاية الأمر، وضعنا قواعد عملنا بأنفسنا وذهبنا باتجاه «الجودة وتطبيق المواصفة الفلسطينية» وعملنا مع الشركاء للحفاظ على سلامة الأغذية، وتابعنا ملف النظافة وسلامة إعداد الطعام في المطاعم والمقاهي، وكشفنا مواضيع مختلفة ونجحنا فيها «أسعار الأدوية المستوردة»، «استخدام الشيفاروا في بعض المخابز»، «أسعار الخبز»، «فروق الأسعار بين السوق الفلسطينية والأسعار في الأسواق المجاورة وبشكل خاص المستوردة وذات الماركات العالمية».
ولا بد من الإقرار ان روح العمل التطوعي تراجعت بشكل واضح في المجتمع الفلسطيني وهذا انعكس على جمعيات المستهلك من حيث المتابعة والاندماج في النشاطات والفعاليات واقتصار الأمر على فئة آمنت بالعمل التطوعي والمجتمعي والتوعوي، وهذا ليس خاصا بالجمعيات بل ظاهرة عامة في العمل الأهلي.
وهذا ملف من المهم إعادة تقييمه في ضوء الحكومة القادمة بحيث توليه أهمية وتتابعه لدى وزارات الاختصاص لتنفذ القانون وأدلة الإجراءات المعتمدة بمراعاة أهمية وضرورة جمعيات حماية المستهلك وليست فائضا عن الحاجة.

القطاع الخاص
موقف القطاع الخاص ليس موحدا تجاه حقوق المستهلك، منهم من يؤمن بها ويراعي معايير الجودة والسعر العادل وينافس بقوة، ومنهم من يرى أن إجراءاته معيارية لحقوق المستهلك وهي معايير عالمية، وللأسف فهي مثار جدل سواء القطاع المصرفي والمالي والصرافة، والأمر ينسحب على الاتصالات وتكنولوجية المعلومات، وكذلك الأمر بخصوص تزويد المياه وتركيب عدادات المياه مسبقة الدفع، وعقود الإذعان في الكهرباء والمياه والتأمين، وسياسة المستشفيات الخاصة في التعامل مع مسجلي التأمين الصحي الخاص.
ويجد القطاع الخاص الذي يعتبر إجراءاته معيارية وعالمية إسنادا من وزارات الاختصاص والهيئات غير الوزارية وللأسف على حساب المستهلك خصوصا عندما تقوم هذه الوزارات بتفسير إجراءات القطاع الخاص في البنوك والتأمين، وإجراءات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
وسجلت بعض الشركات والقطاعات تقدما ملحوظا باتجاه حماية حقوق المستهلك بالتركيز على الجودة وإنشاء خطوط إنتاج جديدة تلبي احتياجات المستهلك، ولعل قطاع الألبان سجل علامة فارقة ولا أظن ان هناك مبالغة بشأنه بحيث نقول انه وصل سقف الـ 80% كحصة سوقية تحقق إيجابية له بل تمسه بسلبية هو ليس بحاجة له، والأمر ينسحب على التمور وزراعة النخيل، وصناعة الأدوية قطاع مهم وحيوي، وبتنا نلمس عودة الحياة لصناعة الأحذية والجلود.

القصة ليست غذاء
يعتقد البعض ان حقوق المستهلك تتعلق فقط بسلامة الأغذية وهذا أمر غير مقبول لدى جمعيات حماية المستهلك لأن الحقوق متكاملة وهي محكومة بمرجعيات ومعايير معتمدة دوليا، التجارة الإلكترونية حق، المواصلات حق، الاتصالات والبنوك والتأمين، وحقوق المستهلك في القطاع الصحي، وحقوق المستهلك في المياه وعدم تركيب عدادات مسبقة الدفع، وقطاع الكهرباء والطاقة المتجددة.
بالتالي لا تقحمونا وتصروا على أن الموضوع هو فقط غذاء وسلامة أغذية على أهميتها بل هي شاملة لكل القطاعات، وعندما نتحدث مع جهة غير الغذاء يقال لنا، «شوفوا سعر الوجبات في المطاعم اهم من أسعارنا بكثير»، نحن لسنا متخصصين في الغذاء، نحن نحمي حقوق المستهلك بصورة شمولية.

دعم المنتجات الفلسطينية
جئنا الى ملف حماية حقوق المستهلك من بوابة مقاطعة منتجات المستوطنات في العام 1999 يوم كان الناس لا يقيمون لهذا الملف أهمية وانتصرنا وأخرجنا أصنافا من تلك المنتجات من السوق، مع انطلاقة انتفاضة الأقصى ذهبنا باتجاه مقاطعة المنتجات الإسرائيلية ووجدنا إسنادا من أعضاء من المجلس التشريعي، ومن ثم باتت المقاطعة مكونا أساسيا من مكونات خطاب القوى الوطنية وبياناتها، وكان القائد المؤسس الشهيد ياسر عرفات داعما أمينا لهذه الحملات.
في العام 2005 وحدنا الجهد بين المقاطعة وحماية المستهلك ضمن إطار الراصد الاقتصادي واحيينا أول يوم للمستهلك في ذات العام في مدينة البيرة، وتواصلنا الى أن اطلقنا جمعيات حماية المستهلك ووضعنا على رأس أولوياتنا دعم وتشجيع المنتجات الفلسطينية.
ومنذ العام 2014 عام العدوان على قطاع غزة فعلنا مبادرة لدعم المنتجات الفلسطينية وحث الناس على مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، وتواصلنا مع البلديات والجامعات والتجار والصناعيين والحركة العمالية، واثرنا ألا نحجب حق أي جهد بالمقاطعة أو دعم المنتجات الفلسطينية بل نسقنا ووحدنا الجهود، ونفخر أن تلك المبادرة ساهمت بتأهيل كفاءات تعي معنى العلم في هذا المجال.
وفي يوم المستهلك، نتواصل مع قناعاتنا ومبادرتنا بدعم المنتجات الفلسطينية وحث دوائر اللوازم العامة والعطاءات المركزية بالالتزام الكامل بمنح الأفضلية للمنتجات الفلسطينية حتى لو زاد سعرها بنسبة 15%، إضافة الى مواصلتنا مبادرة التعريف بالمنتجات الفلسطينية في المدارس والجامعات والجمعيات النسوية والنقابات المهنية والعمالية، وعقد اللقاءات المفتوحة مع القطاعات المختلفة لتعميق الوعي بجودة المنتجات الفلسطينية، وكشف عدم التزام المنتجات الإسرائيلية بالمواصفة الفلسطينية من حيث المواد الحافظة والملونة.

ماذا نريد من يوم المستهلك
ننظر باهتمام بالغ لكي تصبح فلسطين من الدول التي يشار لها بأقصى اعتماد لمعايير حقوق المستهلك وحمايتها، ورغم إجراءات الاحتلال وسعيه لإلحاق سوقنا بسوقهم، إلا أن تفعيل مبادرة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية ودعم المنتجات الفلسطينية ستأتي أكلها.
تقوية بنية جمعيات حماية المستهلك معيار مهم على المستوى العالمي والعربي والفلسطيني وهذا ليس شأنا داخليا للجمعيات بل هو واجب من واجبات الحكومة لتعمل عليه دون انتقاص من استقلالية الجمعيات ودوام جهودها باتجاه حماية حقوق المستهلك.
بات ملحا التنسيق مع القطاعات الاقتصادية التي تصر على أن إجراءاتها سليمة ولا تضر بالمستهلك ولكننا نرى عكس ذلك من منطلق مرجعيات حقوق المستهلك، ولعل استراتيجية الشمول المالي مؤهلة لخلق واقع مختلف تماما في القطاع المالي والمصرفي.