الرئيسية » الاخبار »   13 شباط 2019  طباعة الصفحة

صلاح هنية: الحظ يلعب دوراً في ضبط البضائع الفاسدة، والمد والجزر يتحكم بحملات المقاطعة
 

حاورت "آفاق" صلاح هنية رئيس جمعية حماية المستهلك في محافظة رام الله والبيرة، والمنسق العام لائتلاف جمعيات حماية المستهلك، فتحدث عن السلع الفاسدة، وتعديلات قانون حماية المستهلك، والقطاع الزراعي الحلقة الأضعف في اقتصادنا، والدواجن التي يعيش مربوها حالًا في منتهى البؤس، ولم يغفل عن تفاوت أسعار السلع في الأسواق، وعقب على قرار الاحتلال الذي لم يصمد طويلًا بحق السلع الزراعية، وواكب عدادات المياه مسبقة الدفع، وشخّص قطاعات الكهرباء والاتصالات والصناعات الدوائية، وأشار إلى حملات المقاطعة، وتتبع السلع الصينية، والأكياس البلاستيكية الملوثة للبيئة، وأسهب بشأن الخضروات العضوية، والمواد الملونة، والغلاء، ووعي المستهلكين، و"الذبح الأسود". وفيما يلي نص الحوار:

خاص بآفاق البيئة والتنمية

إتلاف الأغذية الفاسدة التي تم جمعها في السوق الفلسطيني

تُلازم رئيس جمعية حماية المستهلك في محافظة رام الله والبيرة، والمنسق العام لائتلاف جمعيات حماية المستهلك، صلاح هنية أحلام عديدة، أهمها اقتصاد مستقل عن الاحتلال، وتحويل المنتج الوطني إلى الخيار الأول للمستهلك، ونهضة القطاع الزراعي، والاستقلال.

ينحدر هنية من قرية أبو شوشة المدمرة عام 1948، ولد في رام الله، ويحمل الماجستير في الدراسات الدولية، وهو كاتب صحافي وخبير علاقات عامة، ومهتم بمبادرة دعم المنتجات الفلسطينية عالية الجودة. وعمل في الاتحاد العام للمعلمين، حين كان مديرًا للعلاقات العامة وشؤون الطلبة في الكلية الإبراهيمية بالقدس، وتابع عمله في العلاقات العامة في وزارتي التربية والتعليم العالي والأشغال العامة والإسكان إلى أن تقاعد مبكرًا.

شارك هنية في ورش تدريبية مهنية في جامعة هارفارد، والمنظمة العربية للتنمية الإدارية، وجامعة بيرزيت، ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو). وقال: كوني خريج جامعة بيرزيت في البكالوريوس، تأثرت بثقافة العمل التطوعي والجماعي، وانحزت لتقديم العام على الخاص، ما عزز إمكانات الدفاع عن حقوق المستهلك، والسعي للعدالة الاجتماعية.

حاورت (آفاق) هنية، فتحدث عن السلع الفاسدة، وتعديلات قانون حماية المستهلك، والقطاع الزراعي الحلقة الأضعف في اقتصادنا، والدواجن التي يعيش مربوها حالًا في منتهى البؤس، ولم يغفل عن تفاوت أسعار السلع في الأسواق، وعقب على قرار الاحتلال الذي لم يصمد طويلًا بحق السلع الزراعية، وواكب عدادات المياه مسبقة الدفع، وشخّص قطاعات الكهرباء والاتصالات والصناعات الدوائية، وأشار إلى حملات المقاطعة، وتتبع السلع الصينية، والأكياس البلاستيكية الملوثة للبيئة، وأسهب بشأن الخضروات العضوية، والمواد الملونة، والغلاء، ووعي المستهلكين، و"الذبح الأسود". وفيما يلي نص الحوار:

"طوفان" السلع الفاسدة

نتابع ضبط سلع منتهية الصلاحية، وإقفال مطاعم ومخابز. وهذا يعني أن السلع الفاسدة قبل ضبطها وصلت إلى موائدنا. ما سبل تشديد الإجراءات القانونية والوقائية للحد من هذا "الطوفان"؟

السلع منتهية الصلاحية وجودتها مسألة طويلة الأمد، وظلت تقلق الرأي العام؛ لأن عدم إشهار أسماء مرتكبيها بعد الحكم عليهم تزيد الطين بله. وتسابُق الجهات الرقابية يُضعف العمل الرقابي، فالأصل توحيد الجهد، واحترام خصوصية كل وزارة أو هيئة في الرقابة على قطاعها. وهذا يتطلب قبل ذلك إحكام محاضر الضبط ومهنية حبكتها من الجهات الرقابية؛ حتى تتمكن نيابة الجرائم الاقتصادية من قبولها، وتكييف القضية وتحويلها إلى القضاء، لتكون الأمور واضحة، وهذا يساعد القضاء على إصدار أحكام رادعة.

 ولكن للأسف، معظم ما تم ضبطه كان بعد دخوله إلى المتاجر والمطاعم وأسواق الخضار والفواكه ومحلات اللحوم والمخابز، وبالتالي تسرب جزء منه لموائدنا، رغم أن مبرر الجهات الرقابية وجود مداخل متعددة للبلد، ما يعني صعوبة الرقابة والفحص لكل ما يدخل، إن لم يكن مستحيلًا، بالتالي ضبطها يكون في أحيانٍ كثيرة مسألة حظ.

لا نحسن التعامل بما هو بين أيدينا، فلا ألوم المستوردين لدقيق عالمي يصل غير مُدعم بالعناصر الغذائية والفيتامينات، بينما اشتراط وزارة الصحة و"المواصفات" تدعيمه بعشرة عناصر وفيتامينات. دعونا إلى مخاطبة السفارات عبر الملحق الاقتصادي بتعميم التعليمات للتدعيم، وللأسف يدخل الدقيق غير مدعم، وحرصًا على التجار يتم التجاوز مؤقتًا، بحيث تكون الشحنة التالية مُدعمة، والمؤسف أن المطاحن الإسرائيلية لا تُدعّم، ومواد التدعيم في المطاحن الإسرائيلية غير مطابقة لمواصفاتنا. ولا بد من إنصاف الضابطة الجمركية، التي تعمل بجد في المواد الغذائية، والسولار المغشوش، والشرائح الإسرائيلية، وهم ينفذون عملًا استخباراتيًا معلوماتيًا طويل الأمد. الأمر الذي يتطلب إصدار أحكام رادعة، وإشهار الأسماء.

باعتقادكم هل حجب هوية المهربين والمتاجرين بالسلع الفاسدة حتى بعد إصدار القضاء أحكام إدانة بحقهم مسألة يجب أن تتوقف؟

النيابة مُلزمة في قانون حماية المستهلك بإعلان المحكوم عليهم؛ لأنه قانون. للأسف منذ 2009 لم يعلن عن أي اسم، ما يقلق الرأي العام، رغم أن الإعلان عن الأسماء يزيد الثقة ويقتل الإشاعة، ولا يضر بالملتزمين، الذين طالبنا بتقديرهم وتكريمهم، ووضع ملصق أمام محلاتهم يوضح التزامهم بالشروط الصحية وسلامة الغذاء.

صدر قانون حماية المستهلك قبل 14 عامًا. هل ترون أن القانون اليوم بحاجة إلى تعديلات، وبخاصة تشديد العقوبات؟

شُكّل فريق متخصص عدّل قانون حماية المستهلك رقم 21 لعام 2005. وتشكل الفريق من الوزارات المختصة، ومجلس القضاء، والنيابة العامة، وجمعيات حماية المستهلك، وأقر بالقراءات الثلاث في مجلس الوزراء، وحُوّل إلى ديوان الفتوى والتشريع، ولم يصدر ولم يُصادق عليه حتى الآن. وجرى تعديل العقوبات في القانون الحالي من مجلس الوزراء؛ لضمان تغليظها وردع المخالفين، كما عدلت مادة العقوبات في قانون الزراعة. وحدثت تعديلات جوهرية على قانون حماية المستهلك تواكب العصر، ولا تقتصر على السلع الغذائية بل تشمل كل القطاعات.


المنسق العام لائتلاف جمعيات حماية المستهلك صلاح هنية

الزراعة الحلقة الأضعف

القطاع الزراعي الحلقة الأضعف في اقتصادنا، وغالبًا يتكبد الفلاحون الخسائر، فيما تصل السلع المستهلك بأسعار مضاعفة. لماذا لا يتم تحديد سقف سعري للخضروات والفواكه؟

عندما تصل الأمور للمزارعين تصبح الأمور متعلقة بالعرض والطلب، وتتأخر تعويضات الأضرار الزراعية، ويتأخر الاسترداد الضريبي، يُقال إن التغير في أسعار الخضار والفواكه سريع، فأحيانًا تصبح فلكية، وأحيانا تكون أقل من اللازم. المطلوب تنظيم الوسطاء التجاريين الذين يحققون أرباحًا هائلة على حساب المزارع والمستهلك.

ولم يعد المزارع يزرع ليخسر، بل توجه نحو الزراعات التصديرية كالأعشاب الطبية والنخيل و"خيار البيبي"، والزراعات الرائجة في السوق الإسرائيلي بأسعار مناسبة. لم يزرع الفلاحون البصل هذا العام. كما تراجعت زراعة الخضروات والموز والحمضيات.


بيض التفريخ من السوق الإسرائيلي يدمر مربي الدواجن الفلسطينيين

يقول بعض صغار مربي الدواجن إن ثمة محاولات لـ" طحن الرؤوس الصغيرة وترك السوق للحيتان". ما مدى دقة ذلك؟ وبأي السبل يمكن ضمان استقرار هذا القطاع؟

هناك العديد من الشركات المهيمنة على السوق في قطاع الدواجن، وواضح أن الخسائر توزع حسب الحجم. ونتيجة لانخفاض الأسعار بشكل واضح مقارنة بالتكلفة غادر صغار المزارعين، ولم يعودوا قادرين على المنافسة والصمود.

منذ ثمانية أشهر تشهد أسعار الدواجن تدهورًا غير مسبوق أضر بالمربين، إذ تبلغ تكلفة التربية للدواجن 6 شواكل وتباع بـ 5 شيكل من المزرعة، وهناك العديد ممن خرجوا من هذا القطاع، أو اغلقوا مزارعهم وتركوها فارغة، وتكبدوا خسائر ومديونية للعلف والكهرباء والمياه والسولار. بادرنا لإنقاذ المربين للحفاظ على قطاع قوي ودعونا الحكومة لاتخاذ إجراءات حازمة للضبط والتنظيم، من خلال مكافحة التهريب من المستوطنات والسوق الإسرائيلي؛ لأنها تدمر مربي الدواجن، وتؤثر على الأسعار، من المهم وقف تصاريح توريد بيض التفريخ والدواجن والصيصان من السوق الإسرائيلي؛ لإعادة التوازن وتعزيز المنتج الوطني.

فجوة أسعار وحملات مضاربة

تشوب أسعار السلع والخدمات في محافظات الوطن فجوة كبيرة، ولا نجد تسعيرة محددة يجري احترامها. لماذا يستمر هذا الحال؟

للأسف، تتفاوت الأسعار ارتفاعًا من محافظة لأخرى للسلع ذاتها، وهناك اعتقاد أن وجودك في محافظة ما يعني أنك "دولار يمشي على الأرض"، وفي محافظة زراعية تكون القدرة الشرائية متراجعة، كما أن كثافة المتسوقين من الداخل المحتل ترفع الأسعار. ولا توجد معايير محددة للقياس، إلا أن طلبة من جامعة بيرزيت أعدوا قبل نحو ثمانية أعوام مقارنة بين مكونات السلة الغذائية في محافظات مختلفة، وأصدروا تقريرًا يوضح المحافظات الأعلى للسلع ذاتها. نتفق بأن الأسعار متفاوتة، وهناك اختلاف في أحياء المدينة نفسها. وينطبق هذا على الأدوية، هناك صيدليات تخفض الأسعار، وأخرى ترفعها ويقول أصحابها "5 شواكل لا تقدم ولا تؤخر".

تنتشر في الأسواق حملات مضاربة وعروض متذبذبة في الأسعار بشكل كبير. باعتقادكم ما السبب؟

صحيح، وتأكيداً لذلك زار جمعيتنا مؤخراً تجار من الخليل، وطلبوا التدخل لوقف حملات التخفيضات التي تميزت بها رام الله والبيرة، واستقطبت متسوقين من خارجها، ما عزز الثقة بين المستهلك والتاجر. متفقون مع ضرورة التنظيم؛ لأن المستهلك كان يذهب ليتسوق مستمتعا بالعروض، وفجأة يكتشف أنه ابتاع سلعًا لا يحتاجها ولا يستهلكها، وأحيانًا يتم تخفيض أسعار سلع ورفع أخرى أو إبقائها ثابتة، واليوم يذهب المستهلك ليتسوق من بنود العرض فقط. والمتاجر الصغيرة والمتوسطة تكبدت خسائر كبيرة لكثافة العروض، وسيطرت المتاجر الكبرى التي باتت تفتح فروعًا، وانخفض مربح دكان الحارة، رغم أن البعض لا زال يصارع للبقاء. مع العلم أننا كجمعية كنا قد تحدثنا عن الرقابة والاسعار الاسترشادية على مدار السنة لضبط السعر وتحقيق العدالة، وعدم القضاء على التجارة الصغيرة.


الذبح الأسود المتفشي في الريف الفلسطيني

"ذبح أسود" حاضر ومسالخ غائبة!

يجبر قانون الهيئات المحلية البلديات على افتتاح مسالخ والالتزام بها، عمليًا معظم مدننا وبلداتنا تمارس "الذبح الأسود"، وتنتهك القانون، ويتسبب هذا بتداعيات صحية وبيئية. لماذا لا يتم الالتزام بالمسالخ؟

لا زالت محافظة بيت لحم دون مسلخ، ومسلخ الخليل في منطقة H2، ما يعني غيابه. وطالب قرار مجلس الوزراء "الحكم المحلي" بمتابعة إنشاء مسالخ في كل محافظة، استنادًا للقانون، وحرصًا على البيئة والصحة وسلامة المستهلك. وكلفت إحدى المؤسسات غير الحكومية بإعداد دراسة للبلديات، وزاروا أمانة عمان للتعرف على تجربتهم، لغاية الآن لم يتغير شيء، ولا زال الذبح الأسود قائمًا. والمؤسف أن المشهد كان غريباً، إذ يتم الذبح على الأرصفة دون فحص بيطري وشروط صحية، وعادة يشرف طبيب بيطري على المسلخ والصحة والسلامة. كما طالبنا بتغيير الحال، وكان هناك تفاعل شعبي، وتصاعدت دعواتنا وتدخلاتنا في عيد الأضحى، مع انتشار ذبح الأضاحي خارج المسالخ، رغم تعليمات المحافظين. الدواجن أيضًا يجب أن تخضع للمعايير الصحية والسلامة بإشراف بيطري.

كيف تقيمون جودة منتجنا المحلي؟ وبأي الطرق يمكن اقناع المستهلك بتبني سلعنا؟

الحديث عن جودة المنتجات الوطنية شائك، عملنا بالتعاون مع مؤسسة المواصفات والمقاييس على زيادة التدقيق والالتزام بالتعليمات الفنية الإلزامية، واعتماد المواصفة الفلسطينية، وتثبيت شعارها على المنتجات؛ لاستعادة ثقة المستهلك، وكنا نُجابه بهذا السؤال في مرحلة الإعلان عن مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، وتشجيع المنتجات الفلسطينية، والجميع لا يثق. وعملنا مع "المواصفات والمقاييس" لإيصال رسالة الجودة، ومتابعتها، وأصرينا عليهم أن لا يكرروا: "نحن نُشرع ولا علاقة لنا بالتطبيق"، واستطاعوا الخروج من هذا المربع الذي أنشئت عليه ثقافة المؤسسة، وباتوا شركاء في عديد من النشاطات، وإصدار أنظمة توزيع الغاز، وواقع مواد التجميل التي تباع على البسطات دون بطاقة بيان، و"الصحة" تراقب الصيدليات، و"الاقتصاد الوطني" تتابع البسطات والمحلات بمعايير تختلف بين الوزارتين للسلع ذاتها.

المنتجون كانوا يعتبرون الحديث عن الجودة لإدانة المنتج الوطني وضرب جهودهم. في البداية كانوا يتحسسون عندما يقال: "الحليب الإسرائيلي أفضل"، قلنا لهم عززوا ثقتكم مع الناس وقارنوا بين نسب المواد الحافظة في المنتج الإسرائيلي وغيابها في الفلسطيني ما يصب في صالح المنتج الوطني، أخبروهم أن لديكم طواقم جودة ومختبرات ورقابة من المواصفات والصحة والزراعة والاقتصاد الوطني والضابطة الجمركية، تراقب وتتابع قبل أن يخرج المنتج للمستهلك، بينما الإسرائيلي لا نعرف عن صناعته شيئا، إلا بعد دخوله إلى السوق، وإذا رسب مرة نتابعه، ولكنه يدخل دون أية مطابقة للمواصفة، ولا تُوضع أمامه اعاقات من حيث معايير الجودة الفلسطينية.

هناك تدخلات من وزارة الصحة في تقليل نسبة الاملاح في الخبز، وتقليل الاملاح في الطعام، وتدعيم الطحين بالعناصر والفيتامينات، إلا أن القرار لم يطبق للأسف.


خسائر فادحة في محصول الخيار بسبب إغراق السوق الفلسطيني بالخيار الإسرائيلي

الخضروات والفواكه: دروس الأزمة

برزت مؤخرًا حرب الاحتلال على خضرواتنا ومنع إدخالها، ثم رد مجلس الوزراء بقرار مماثل إلى أن تراجع الاحتلال عن قراره. ما الدروس المستفادة من هذه "الأزمة"؟

تجربة مقاطعة الخضروات والفواكه الإسرائيلية تستحق الدراسة واستخلاص العبر، أهمها تشكيل فريق يتابع الملف من ائتلاف جمعيات حماية المستهلك، وحركة فتح، والاتحاد العام للفلاحين، ووزارتي الزراعة والاقتصاد الوطني على مستوى الوكلاء؛ الأمر يحقق نجاحات ولا يذهب باتجاه التدافع والتعطيل، بل العمل الجماعي. والدرس الآخر ضرورة تنظيم العلاقة مع المزارعين، وتعزيز مكانتهم.

 إن تنظيم أسواق الخضار والفواكه عبرة مستخلصة، بحيث تخضع لرقابة البلديات ووزارة الزراعة من حيث جودة ما يورد للأسواق، ومنح الأفضلية للفلسطيني. وضرورة التزام التجار والوسطاء بإحصاءات وأرقام وزارة الزراعة، إذ لا يجوز بيع البندورة مثلًا للسوق الإسرائيلي خلال شحها، وهناك زراعات مخصصة لسوق الاحتلال، وكأننا نبيع مياهنا وليس محاصيلنا الشحيحة.

بات واضحًا وجود اكتفاء ذاتي في الخضار، إذ ننتج 630 ألف طن في مواسم الذروة، وهناك نقص في الفواكه، وما ننتجه من التمور يحقق اكتفاءَ ذاتيًا. مطلوب ترشيد تصاريح إدخال المحاصيل من السوق الإسرائيلي، بحيث لا تضر بالمزارعين ومربي الدواجن والمواشي، ومراقبة التصاريح وعدم إساءة استغلالها بإدخال منتجات إسرائيلية واستيطانية، وضرب البضائع تحت يافطة التصاريح وعدم حصر الكميات. والدرس الأهم أن الاحتلال لا يصمد لإنفاذ قراره مقابل صمودنا بالمقاطعة دون مواربة، وهذا ما حدث في الخضار والفواكه، وتكرر قبل أعوام ردًا على منع منتجات الألبان واللحوم من التسويق في القدس، وتراجعوا فور قرار المقاطعة.

يطارد "وحش" الغلاء جيوب المستهلكين، وعمليًا الطبقة الوسطى تتآكل. ما السبل الممكنة لكبح الغلاء المتواصل مقابل ثبات أو تراجع الدخل؟

الأسعار في الضفة والقطاع لا تتناسب مع القدرة الشرائية، وللأسف أحيانًا تصل المؤشرات لصناع القرار مستندة على وهم أن هناك أموال تُنفق، ونهضة عقارية وتعاملات بنكية، بالتالي الوضع ممتاز، إلا أن الطبقة الوسطى تبخرت، وتراجعت القدرة الشرائية، وازدادت البطالة، وتراجعت القدرة الاستيعابية للتشغيل من الحكومة (المشغل الأهم) وارتفعت نسبة الفقر، وضرب جدار الفصل والعزل والاستيطان الإمكانات الاقتصادية لمحافظات بأكملها وعزلها، والحد الأدنى للأجور غير مُطبق، واليوم ندخل في قانون الضمان الاجتماعي الذي سيسحب الأموال من السوق. حتى أن الغلاء دفع الناس للتحول إلى مهربين عبر معبر الكرامة لسلع وتجارة الشنطة، وباتوا يبحثون عن السعر الأقل في السوق الإسرائيلي والمستوطنات.

ضغطنا على الحكومة لعدالة الأسعار ومراقبتها، ووضع أسعار استرشاديه، ومتابعة السلع الأساسية وعدم ارتفاع أثمان العقار والمواصلات والكهرباء والاتصالات. وفجأة ذهبوا لحماية الوكالات بغض النظر عن ارتفاع الأسعار. الأسعار لدينا أكثر من السوق الإسرائيلي للماركات ذاتها. وحتى لا أُفهم بشكلٍ خاطئ، انا لست مع إغلاق شركات الاستيراد بالمطلق، بل مع الأسعار العادلة ومراقبة "الاقتصاد الوطني" حتى لا تترك الأمور على غاربها.  والاستيراد الموازي أدى بالوكالات إلى خفض أسعارها، وهذا خير للمستهلك.


فاكهة إسرائيلية كمالية تضرب الفاكهة الفلسطينية

"سلاح" المقاطعة المُغيب

تقفز إلى الواجهة مرارًا دعوات لمقاطعة منتجات الاحتلال، وعدم الاكتفاء ببضائع المستوطنات. ما رأيكم باستمرار التفريق بين المنتجات الإسرائيلية؟ ومتى يمكن أن نبدأ بمقاطعة شاملة؟

المقاطعة وسيلة منطقية تساعد على تحقيق أهداف اقتصادية ووطنية، ولا معنى للتفريق بين منتجات إسرائيلية ومستوطنات، كلها تصب في المضمون ذاته، وعوائد الأموال للخزينة ذاتها، المؤسف أن المقاطعة تمر في فترات مد وجذر نتيجة عدة عوامل أهمها عدم تنظيم حملات المقاطعة، وغياب التنسيق. والنشاط الوحيد الذي تميز في المقاطعة كان خلال العدوان على غزة، فيومها توحدت الجهود، وحققت نتيجة تجاه دعم المنتجات الوطنية، وزيادة حصتها السوقية ونسبة المبيعات، ما بعد ذلك باتت المقاطعة نشاطًا ثانويًا لدى مؤسسة هنا وهناك دون أي تنسيق، ولا تحتل المساحة ذاتها التي تشغلها نماذج مقاطعة أخرى ثقافية وأكاديمية، ولا تتوازى مع الجهد الذي يُبذل في العالم.

المشكلة أن المقاطعة حتى للمستوطنات ليست من أولويات الحركة التجارية الفلسطينية، حتى لو قاطعنا الخضار والفواكه ليومين تقوم قائمة التجار، ليثبتوا أننا لا نمتلك زراعة و"حرام قطع شعبنا من القشطة والاناناس والفواكه الاستوائية الإسرائيلية"، وفي حال مقاطعة سلع أخرى يصبح الموزعون للمنتجات الإسرائيلية رأس الحربة في التصدي للقرار.

الوزارات المختصة لا تختفي وراء شعار دعم المنتجات الوطنية، ورغم النقاش المستمر معهم إلا أنهم يعززون مفهومًا خاطئًا "يا جماعة المواد الخام من السوق الإسرائيلي أو عبره". وهل يعقل أن تخاطب الوزارات بهذا المحتوى، وتقول إن المنتجات الفلسطينية رسبت في الفحوصات في الوقت الذي تتصاعد فيه حملات المقاطعة؟ وللأسف، لم تضع القوى السياسية الأمر على سلم أولوياتها، صحيح أن مروان البرغوثي عضو مركزية فتح قاد هذا الملف بتميز، والإخوة في "فتح" يتابعون الملف في عز الازمة، وضرورة الرد على أي قرار مقاطعة احتلالي لنا، وقادوا حملات بهذا الاتجاه، وفعلت بقية الفصائل الأمر ضمن إطار زمني محدود ومؤقت.

نعاني جراء السلع الصينية الرديئة، وهناك بضائع تتلف خلال المعاينة أو بعد وقت قصير من الاستعمال. وهذا يعني أننا نستورد "نفايات". إلى متى يمكن الاستمرار في هذا المشهد؟

لا نعمم على صناعات أي بلد، فلا نقول كل الصيني رديء، بل هناك تجار يستخفون بالمستهلك فيستوردون بضائع معدومة الجودة، رغم وجود منتجات عالية الجودة، لكنهم يصرون على شراء أي منتج بغض النظر عن حقوق المستهلك. والمؤسف إننا لا نمتلك السيادة على الموانئ، بالتالي يبدأ التعامل مع المنتجات المستوردة بعد دخولها، ولذلك ركزنا على المستورد والشركات المعروفة، وليس تجار "ضربة واحدة، ثم واختفاء وإغراق السوق"، وهذا لا علاقة له ببلد المنشأ. طالبنا بتنظيم وترشيد الاستيراد، والتركيز على الجودة، وعدم ترك السوق لأحذية، وألعاب أطفال، وأدوات كهربائية ومنزلية عديمة الجودة، فنرى مدافئ لا تدوم، ومراوح لا تصمد طويلَا، وأحذية نالها ما نالها جراء الاستيراد غير المُنظم.

خضروات عضوية وفوضى بلاستيكية

هناك توجهات عالمية متنامية نحو الخضروات العضوية، والتوقف عن الاستخدام المبالغ فيه للكيماويات، ما موقف جمعيتكم من هذا؟

إن تهريب المبيدات الزراعية من المستوطنات، رغم حظرها من وزارة الزراعة، والإفراط في استخدامها بات مشكلة حقيقية، وعقدنا لقاءات حول المبيدات وأهمية وشم وزارة الزراعة لها؛ للتعريف بالمسموح والمرفوض. الا أن المستوطنات توفر هذه المبيدات، وتسهل دخول المزارعين لشرائها.

تابعنا الأمر مع جهات الاختصاص، من حيث الأسعار المرتفعة عن السوق الإسرائيلي، وضرورة أن تكون كالأدوية البشرية التي تتم مراجعة أسعارها دوريًا، وتوفير الارشاد الزراعي للحد من استخدام المبيدات، خصوصًا أن هذه الظاهرة تتابع من مراكز زراعية للحد منها، وتحذر من أخطارها على الصحة، وضرورة مراقبة وفحص ترسبات المبيدات في الخضار والفواكه قبل تسويقها؛ وهو ما لا يتم.

تمثل الأكياس والمواد البلاستيكية التي تستخدم مرة واحدة عقبة كبرى أمام البيئة. في المقابل هناك دول تفرض حظرًا عليها. متى يمكن أن نشاهد تحركات في تقليل هذه المواد؟

هذا موضوع شائك، ونجتهد للحد من البلاستيك، والتوجه نحو الأكياس الورقية والقماشية، ودعوة محلات السوبر ماركت لتوفير أكياس ورقية أو قماش؛ لتستخدم ويُحتفظ بها، وللأسف لم ننجح مع أي من المتاجر حتى الآن. ولم يقلّ استخدام الأكياس البلاستيكية، ورغم الوعي الواضح بين المستهلكين إلا أن هذا لا يُطبّق في السوق.

دواء وعدادات مسبقة الدفع

كيف تقيمون قطاع الصناعات الدوائية، من حيث الأسعار والجودة؟

هي قطاع واعد، وعقدنا لقاءات مع الاتحاد الصناعي، والمصانع بشكل فردي، وبحثنا قضايا أهمها الأسعار، وعدم تكرار تصنيع منتجات بعينها، والتحول للصناعات الدوائية لمعالجة السرطان، ومحاليل معالجة أمراض الكلى. وواضح أن أسعار الأدوية الفلسطينية مرتفعة، إلا أن هناك مراجعة دورية لها من قبل وزارة الصحة، ونعمل على الوصول لأسعار عادلة، مع الحفاظ على خصوصية الدواء وتسعيرته.

نصل إلى قطاعي المياه والكهرباء: كيف تنظرون إلى أسعار الكهرباء؟ وما موقفكم من عدادات المياه مسبقة الدفع؟

أسعار الكهرباء متابعة من مجلس تنظيم قطاع الكهرباء، ونحن على تواصل دائم مع المجلس، وتتم مراجعة التعرفة، وصافي القياس للطاقة المتجددة، ونتشارك في هذه الملفات ونتابعها، وعندما نتلقى أي شكوى نتابعها، ويتابعها المجلس، وغالبا تصلنا توضيحات، أو تحل الشكاوى بصورة مرضية. ونتابع ونضغط لضم البلديات والمجالس القروية لشركات توزيع الكهرباء؛ لتنظيم وزيادة القدرة الفنية لمعالجة قضايا الشبكات. وشكلنا فريقًا من "حماية المستهلك" لمتابعة عدادات المياه مسبقة الدفع، ولمراجعة الدراسات التي صدرت، وتقييم تجربة المجالس التي اعتمدتها، ونرى أن العداد وسيلة لتقليل مديونية مقدمي الخدمات، وأداة قياس لكن لا تقود لتحسين الخدمات، فالأصل تطوير الشبكات، والنضال لاستعادة حقوقنا المائية المنهوبة. ونرى أن هذه العدادات تمس بالحق في المياه المكفول بالعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي وقعت عليه فلسطين.

اتصالات ووعي وحقوق

بالحديث عن قطاع الاتصالات وخدمات الإنترنت. هناك أصوات تطالب بخفض الأسعار وتحسين الخدمات. ما تعليقكم؟

الاتصالات بحاجة لتخفيض أسعارها، وهذا من مسؤولية وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المُنظمة لهذا القطاع. ولحين إطلاق هيئة تنظيم قطاع الاتصالات. عقدنا مع الوزارة سلسلة اجتماعات، وتابعنا معها عدة شكاوٍ تردنا كجمعيات، لكن المتابعة ليست بحجم التحدي القائم.

هذا القطاع مكون أساسي للتنمية والنهوض، وضرورة قصوى، وما ينفذه الاحتلال من أبراج تقوية في مناطقنا لصالح شركاته، التي تتغذى من المستوطنات تدمير لهذا القطاع، إضافة للتعطيل الذي حدث للجيل الثالث، ومنع خدماته في غزة، لكن الاحتلال ليس شماعة لنعلق عليها كل واقع هذا القطاع، وهناك جهد داخلي يجب أن يبذل لتعزيز العلاقة مع المستهلك، خصوصًا الأسعار التي هي شأن الوزارة وليس الشركات. أما الشركات فمطالبة بخدمات تسويقية وتجارية تنال رضا المستهلك. وتعزيز الإنجازات في هذا القطاع، لا يكون على حساب السعر وجودة الخدمة ومتابعات شكاوى متلقي الخدمة.

كيف تقيمون وعي المستهلك الفلسطيني؟ وهل يعرف حقوقه؟

كان واضحًا لدى إطلاق جمعيات حماية المستهلك أن الوعي بحقوق المستهلك وواجبات القطاع الخاص ضعيف، خصوصًا ان هذه الثقافة متراجعة بالمجمل. اجتهدنا لتعزيز الثقافة بعقد حلقات نقاش، ومتابعات لجهات الاختصاص، وإصدار النشرات، لم يُحسن المستهلك بداية تقديم الشكوى، بل أبدع بالتذمر دون محتوى جيد للشكوى، واليوم نرى مستهلكًا يحترف في شكواه والضغط لمتابعتها، وبات مكونًا ضاغطًا لإشهار أسماء مروجي الأغذية الفاسدة ومنتهية الصلاحية، ومحاربة التهريب وتزوير السلع. أحيانًا نجد المستهلك يفقد الثقة بأدوات الرقابة من حجم الضغوط عليه، خصوصًا مع تصاعد تهريب الدواجن، وغياب الاهتمام بالقطاع الزراعي الذي يعني الأرض والمياه والصمود، وحجب أسماء المحكوم عليهم بقضايا فساد غذائي، وعدم تشجيع المنتجات الوطنية.

للأسف، هناك تدافع من وزارت الاختصاص لمنافسة الجمعيات وتحجيمها، والاستحواذ على ملف حماية المستهلك، لكن قواعد المستهلكين ظلت تنتصر لحقوقها ولمؤسساتها، في ظل غياب توفير تمويل مالي للجمعيات أو إسناد فني لها. وإذا ما وقفت الجمعيات واحتجت على ارتفاع أسعار، أو طالبت بتشديد وتوحيد الرقابة الحكومية على الأسواق وسلامة الغذاء تصبح عدوًا. وسبب وجودنا حماية حقوق المستهلك، وليس مجاملة وتجميل دور الجهات الرقابية، أو الاستمرار بالمراسلات للتدخل لخفض الأسعار، أو تشديد الرقابة أو إطلاعنا على تطور ومتابعة القضية. آثرنا الذهاب نحو الضغط والتأثير، والإلحاح في المطالبة بالحقوق، وتوسيع مجالات متابعتنا لكافة القطاعات، وشكلنا فرقًا متخصصة لكل قطاع، ولن نترك شاردة أو ورادة. ونحن متطوعون، ولا نمتلك جيش موظفين، ونتابع توعية المستهلك، وتفعيل دوره من متذمر إلى مشتكٍ وضاغط ومنتصر لحقوقه، وإنشاء ائتلافات مع المؤسسات الشريكة لضمان النجاح فيما نتابعه، ونحتفظ بحقنا مقاضاة المس بحقوق المستهلك في أي قطاع. كما نصدر نشرة "صدى المستهلك" لتوعيته ورصد حقوقه.